When Phosphate Fertilizes the Economy but Leaves the Land Dry
الأرض المغربية لا تتحدث كثيرًا، لكنها تشهد بصمتٍ على معادلةٍ غريبة: تُخرج من باطنها الثروة وتُعيد فوقها الفقر.
من رحم التراب يولد الفوسفاط، ومن عرق الناس تُبنى الأرباح، بينما يبقى السؤال معلّقًا في الهواء: كيف تتحوّل الثروة الطبيعية إلى معجزة رقمية دون أن تمسّ واقع الإنسان؟
تقرير رسمي صادر عن وزارة الاقتصاد والمالية كشف أن استثمارات المجمع الشريف للفوسفاط بلغت 53 مليار درهم عند ختام سنة 2025، ضمن خطةٍ استثمارية تمتد حتى سنة 2030 بقيمةٍ إجمالية تصل إلى 130 مليار درهم.
المجموعة التي تُعتبر فخر الصناعة المغربية، لا تكتفي بإنتاج الأسمدة، بل تسوّق لنفسها كقوةٍ بيئيةٍ جديدة، تعد بتحقيق “الحياد الكربوني” وبتغطية حاجياتها المائية من “مصادر غير تقليدية” بنسبة 100 بالمائة، وبإنتاج 5 جيغاواط من الطاقة النظيفة و560 مليون متر مكعب من المياه المُحلّاة بحلول سنة 2027.
لغةٌ خضراء تُبهِر الأرقام، لكنها تُخفي ظلّاً رمادياً:
من يستفيد من هذا التحول؟
هل المواطن الذي يعيش على أطراف المناجم، يشتري قنينة الماء بثمن نصف كيلو فوسفاط؟
أم الأسواق الدولية التي تشتري “الذهب الأبيض” المغربي وتترك خلفها أراضي جرداء وصدورًا عطشى؟
المجمع أعلن عن رقم معاملاتٍ تجاوز 52.16 مليار درهم في النصف الأول من 2025، بزيادةٍ قدرها 21 في المائة مقارنة بالعام السابق، مع توقعاتٍ ببلوغ 105.33 مليار درهم نهاية السنة، وأرباحٍ صافية تناهز 18.43 مليار درهم رغم انخفاضٍ طفيف.
أرقامٌ مُبهرة تصلح للعروض الاقتصادية، لكنها لا تُجيب عن سؤالٍ بسيط: ما نصيب المواطن من هذه الطفرة؟
التحول الطاقي الذي يتباهى به المجمع ليس سوى وجهٍ جديد لاقتصادٍ قديم:
ثروةٌ تُستخرج من الأرض ولا تُعاد إليها.
استثمارٌ يراكم المجد الصناعي ويترك القرى المجاورة تتنفس الغبار.
وعدٌ بالاستدامة لا يمتد إلى الإنسان الذي يسكن حول المناجم، ولا إلى الشاب الذي يرى في “خريبكة” أو “بن جرير” حلماً مؤجلاً اسمه الشغل.
المفارقة أكبر من الأرقام:
المغرب يُصدّر ملايين الأطنان من الأسمدة التي تُخصّب أراضي الآخرين، لكنه لم ينجح بعد في تخصيب أرضه الاجتماعية بالعدالة.
وهو ما يجعل الفوسفاط رمز الغنى الوطني مرآةً تعكس التناقض بين اقتصادٍ يلمع في التقارير الرسمية، وواقعٍ اجتماعي يذبل تحت وطأة اللامساواة.
في زمنٍ صارت فيه اللغة الاقتصادية تبرر كل شيء، يصبح الحديث عن “النمو المستدام” نوعًا من البلاغة الرسمية التي تُطبع بالذهب وتُوزّع في المؤتمرات، بينما تبقى الحقيقة عارية على الأرض.
فالثروة التي لا تُحدث فرقًا في حياة الناس، ليست تنمية، بل تسويق سياسي بلغة الأرقام.
حين يُخصّب الفوسفاط الاقتصاد وتبقى الأرض جافة، لا يكون الخلل في التربة، بل في من يسقيها بالأرقام وينسى جذور الإنسان.
