بقلم: حسن حلحول محامي بهيئة الرباط
الجزء الأول
لا يفوتني وأنا بصدد كتابة هذه المقالة التي تصادف قرار 2797/2025 لمجلس الأمن الذي أقر بالحكم الذاتي الذي اقترحه عامل البلاد في سنة 2007 وهو في عزّ شبابه، وفي عز بناء مغرب التنمية بعزيمة وثبات نحو التقدم والرخاء، كما يُقال المناسبة شرط، والحكم على الشيء فرع من تصوره، فلا يمكن تصور تنمية البلاد ودفعها للأمام دون شبابها.
الشباب عماد الأمة وعمودها الفقري، لقد قال المرحوم الحسن الثاني في السبعينات أثناء تنظيم مسيرة الخضراء وهو في عز شبابه، وهي النداء: شباب جيل السبعينات كانت له كفاءة تاريخية ومشهود لها، وجاء جيل M لتحمل مسؤوليته في الوطن، أخذ ملك البلاد محمد السادس في سنة 2007 على عاتقه إنهاء هذا النزاع المفتعل عندما قدم مقترح الحكم الذاتي الذي لاقى ترحيباً بعد ما في قلوب الأعداء من الأفكار العدائية، وفضح أوراق الخصوم وإرباك مخططاتهم التقسيمية.
وتوّج بالقرار التاريخي 31 أكتوبر 2025 ليبرز به المغرب القديم والمغرب الجديد، أي مغرب ما قبل وما بعد، واعتبر جلالته هذا اليوم عيداً وطنياً سمي عيد الوحدة، وتحقق هذا الإنجاز العظيم من خلال تلاحم الشباب ومن خلال تحمل عبء مسؤوليتهم، بهذا النموذج الإرشادي الشبابي يجب أن يُحتذى به لبناء مغرب موحد وقوي.
– شباب جيل Z رؤية مستقبلية نحو البناء.
كثر الكلام في الآونة الأخيرة داخل المغرب حول ماهية حركة جيل Z، بين مؤيدٍ لها ومتحاملٍ عليها ورافضٍ لها، وفئةٍ وسطيةٍ ساكتةٍ عنها.
هذه الفئة استنكرها من جهةٍ أخرى، وأبرز هذه الفئة الأخيرة هي الحكومة والأحزاب الأغلبية، بطبيعتها حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقود الحكومة، التي حاولت في الأيام الأولى أن تستوعب مطالب الشباب لتتفاعل معها، وطلبت بالحوار المبني على أسس العقلانية التواصلية لأن الإنسان العقلاني عنده هو الشخص الذي يحاول الوصول إلى اتفاق أو تفاهم عن طريق الحوار، وأن المقاربة المبنية على الحوار هي المسلك الناجع لمعالجة المشاكل، بتجاوز كل ما من شأنه أن يعمّق تحقيق مطالب الشباب جيل Z الريبة وفهمها بعيدًا عن توظيف إيديولوجي للسادة أو أعراض الشخصيات العامة لاستمالة مشاعر الناس من قبل الشعبويين.
هذه الشخصية العامة تحاول كل ما في وسعها بموضوعية وحسن نية لإصلاح ما استطاعت، الإدراك الفاسد والملفات المتعفنة المتروكة لها فضلًا عن الظروف العالمية والمالية والمحلية الصعبة.
كما يرى ماركوس، وبالرغم من ذلك فإن ما يعاب على هذه الحكومة قلّة التواصل مع المواطنين والوطنيين وضعف إبراز التنمية المجالية على المستوى المجالي، لأن الديمقراطية لا تقاس بالأغلبية البرلمانية وإنما بالأغلبية المجالية الترابية للجماعات المحلية.
التجمع الوطني للأحرار طيلة هذه الولاية غاب عن الإعلام بشكل الذي يجب، انطلاقًا من موقع تحمّل المسؤولية والتواصل مع المواطنين بشكل يومي في شرح منجز التعريف بالإنجازات، وما لم ينجز، سوى صوت واحد وهو السيد الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان مصطفى بايتاس، بين فينة وأخرى يخرج إلى الإعلام، وكذلك ما يحسب له أنه انفتح على المجتمع المدني في عدة لقاءات ضخمة في عدة مدن.
ترجع هذه الديناميكية إلى تكوينه الجيد، وإلى انتمائه لمدرسة الشباب، أما حزب الأصالة والمعاصرة فقد خلق جموده بدون وطنية معارضة على مستوى تشريع القوانين دون أن تكون لها تأثير إعلامي على مستوى العمل الحكومي بالنسبة للمواطنين.
أما حزب الاستقلال فقد أدخل رأسه في الرمال كالنعامة، اختفى في المشهد السياسي نهائيًا يتحيّن الفرص لاستغلالها ليظهر أنه لا علاقة له بما يقع كما صرح بذلك غير ما مرة، استعدادًا للانتخابات القادمة ليطفو على المشهد السياسي. لذا لا نرى ظهور رموزهم بل سلكوا منهج التعتيم المطلق والسكون المطلق.
حسن ختامًا، حركة جيل Z في حزب التجمع الوطني للأحرار لما خرجت في هذا الوقت بالضبط والانتخابات على مشارفها، فيجب النظر في مبادئ الحزب، كما يعد ذلك تنبيهًا لأطر الحزب عن غفلة عدم إعطاء الأهمية للتواصل المباشر للمنتخبين.
الحزب الجماعيين مع المواطنين والمواطنات، إن ممارسة السياسة هو الاحتكاك المباشر، وكونه غير تدبير الشأن العام في الجماعات المحلية.
إذا تأملنا كل شاب من شباب الحكومة بموضوعية بعيدًا عن تأثير الإعلام الشعبوي العدمي الزائف الحقيقة، أن الحكومة لم تشتغل سوى سنتين من العمل الحكومي؛ إذا ما راعينا العمل الاستثنائي جراء تداعيات جائحة كورونا التي أرّخت في العالم بأسره بشريًا بالدرجة الأولى، ثم كل القطاعات والمجالات الحياتية.
لا يجب على شباب جيل Z أن يسمح لأي كان من ذوي النوايا السيئة من الانتهازيين والوصوليين، ومن ذوي الخطاب الديني أن يركبوا على مطالبهم المشروعة. ولكن السؤال المطروح في الحقيقة ما هو الجديد الذي جاءت به جيل Z؟ هل هو موضوع المطالب، أم في الوسائل والأدوات المستعملة لتحريك مشاعر الشباب المغربي للخروج إلى الشارع؟
وقائع الحال تؤكد أن هذه المطالب كانت مطالب الشعب المغربي منذ الاستقلال إلى اليوم: الصحة، التعليم، الشغل، والعيش الكريم.
إذن، ما الذي يجعلها اليوم تأخذ طابعًا مغايرًا عمّا سبق؟ الجواب بسيط: لأن الزمن تغير، والتاريخ لا يعيد نفسه إلا بشكل الفكرة الخبيثة، عندما صرح أحد قادة الحزب أنه لم يكن يتوقع أن هذا سيحدث، وحذّر بذلك، علماً أن الكل فطن لأكاذيبه وأساطيره وزيفه وحقده الأبيض على شخص السيد عزيز أخنوش، لا لشيء لأنه رجل أعمال ناجح في حياته العملية، زاد ونمى من ثروته في ودها من أبيه.
أعلم أن الشيء الجميل والجديد الذي جاء به هذا الشباب هو الاعتماد على الذاتية والفرادة في تكوين وتأطير الذات، الذي جعل الباحثين يطرحون أكثر من السؤال: هل هو استغناء عن المؤسسات الحزبية والنقابية أم هو ميل جديد لأن هذه المؤسسات أصبحت متجاوزة أو تجاوزهـا عصر التكنولوجيا؟ وذلك باستعماله التكنولوجيا الحديثة للتواصل الاجتماعي عبر Discord، مما يمكن أن نعبر أن مقرات الأحزاب السياسية انتقلت من الواقع إلى المواقع؟ هل انتهى عصر المناضل الواقعي إلى مناضل المواقع؟
إن هذا الشباب الجيل Z المغربي يحمل فكرًا غير فكر السلف، يؤمن بالحرية والكرامة والمساواة بمفهومها الكوني، لأنه بوساطة التواصل الاجتماعي أي بمجرد فتح هاتفه يطل على أحداث العالم.
فقد تم فتح سجل من تاريخ الجيل ز، لأن الثورة السياسية الافتراضية تسجل التاريخ، إن الشباب المغربي المعاصر واعٍ بالتحولات
العالمية والطَّفرة الفكرية على المستوى الرابع الممثلة في الإنترنت، وله السبق في العالم العربي بل والغربي في استيعاب وفهم السياسة المعاصرة التي تجاوزت السياسة الكلاسيكية.
شباب ينتمي إلى الحزب الفضاء الاجتماعي الافتراضي الذي يضع القطبية الإيديولوجية التي تحمي الذاكرة والتاريخ السياسي التقليدي.
هذا الفضاء الافتراضي لا رئيس له ولا مرؤوس، فيه الكل يُعبّر ويبوح عن توجهاته وأفكاره التي يؤمن بها، لا يخشى أن يُتهم أو يُشيطن به، ولا أن يُباغت عليه، ولا أن يُصاب بالحياء خوفًا من الخطأ.
مخطئ من يقارن بين قضايا الربيع العربي الذي كان هدفه الإطاحة بالأنظمة العربية منذ البداية، والذي لم يأت هذا الحراك إلا بالحروب والويلات للعالم العربي.
بين جيل الـ Z الذي ارتبط بنضال الشباب المغربي المعاصر المبني على الإصلاح والتجديد والنهضة على جميع المستويات الصحية والتعليمية، خصوصًا في التحصيل الدراسي للشعب العلمية: الرياضيات، الفيزياء، الذكاء الاصطناعي، الثقافة، والرياضة، والفن، والسياسة.
من أجل تحقيق الديمقراطية الجديدة وتوحيد الفكرة على التنمية المستدامة، والقطب الراحلة فيها العنصر البشري والاهتمام بفضائل التمسيك بعقيدة المغربية والقيم الوطنية، والتأكيد على الثوابت الوطنية المغربية شعارها الله الوطن الملك.
فليعلم الجميع أن الأخلاق والصدق أمانة على عاتق كل مواطن، ماذا يُطلب من الحكومة أكثر من أنها حاولت وتُحاول قدر المستطاع أن تُصلح ما أمكن من الوضع الصحي والتعليمي للمغاربة، وأن تسعى كما سعت في محنة جائحة كورونا أن تُوفر كل متطلبات وحاجات المواطنين، الطبية والتعليمية، من بعد وتوفير الخضر في الأسواق، فليتذكر المتذمرون لعل في الذكرى تنفع المؤمنين.
يجب أن لا ينسى شباب جيل Z أن التنمية المستدامة مرتبطة بالإكراهات الخارجية، لأن الاقتصاد المغربي مرتبط بالاقتصاد العالمي.
الوضع العام العالمي سياسيًا واجتماعيًا اقتصاديًا، انعكس عسكريًا بإشارة إلى الحرب في الشرق الأوسط وأوكرانيا. بل إن هذا الوضع القائم القاتم والمتفاقم زاد الخناق على شباب العالم.
إن ما يعيشه شباب العالم من ضيق العيش وصعوبة التعليم، يتضاعف بارتفاع كلفة الشغل مع التطور الذكاء الاصطناعي، يبرز عبر العالم ظاهرة الأسر الغنية التي تتحكم في الاقتصاد العالمي، وتوجه السياسة الدول الكبرى.
أمريكا نموذجًا، كل ذلك نتيجة ازدهار ثروة الأغنياء الكبرى، وأيضًا شباب العالم نتيجة التوجهات السياسية الاقتصادية اللاشعبية التي يفرضها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
على الدول النامية والفقيرة، كما أن شباب الدول الغنية بدأ يفقد ذلك البذخ الذي كان يعيشه، كما بدأ يحس بشغف العيش اليومي خصوصاً بعد جائحة كورونا.
كل هذه المستجدات التي يبدو أن الشباب العالم واعٍ بها وأعين بتراجع الذي تعرفه الديمقراطية الكلاسيكية، وعدم اهتمام بمبادئ حقوق الإنسان، وظهور في الغرب حكومات ضعيفة تعمل على تصريف فشلها في قمع المتظاهرين بشكل قاسٍ وعنيف في إسكات الشباب المتظاهر.
إن هذا ينبئ إلى ظهور ظاهرة الحركة الأممية الشبابية (جيل Z العالمية)، قد تحمل شعار يا شباب العالم الافتراضي اتحدوا، وذلك لتوحيد الاحتجاج عبر العالم في زمان واحد ومكان واحد هو العالم.
من أجل الضغط على الحكومات والانتقال من مرحلة ما بعد الديمقراطية إلى مرحلة الديمقراطية الجديدة، المبنية على الديمقراطية التشاركية.
الجزء الثاني:
الديمقراطية الجديدة من الواقع إلى المواقع.
