Fouzi Lekjaa: The Minister Who Knows the Figures but Not Whose Pockets Grow Fuller
لم يكن ظهور فوزي لقجع داخل مجلس النواب مجرد تمرين تقني في لغة الأرقام، بل كان مشهداً سياسياً مكثفاً يكشف أكثر مما يخفي.
الوزير المكلّف بالميزانية تحدّث بثقة رجلٍ يملك خريطة كاملة عن مالية الدولة: العجز، المديونية، الموارد، البرامج الاجتماعية، والاستثمارات. بدا وكأنه يرى كل شيء… إلى أن نطق الجملة التي كسرت وهج الخطاب كله:
«الله أعلم شكون استفد 100% من الدعم.»
هنا بالضبط تفككت الصورة. كيف يمكن لوزير يتحكم في بوابة الميزانية ويقود السياسة المالية أن يعلن أنه لا يعرف بدقة من استفاد من مليارات الدعم؟ كيف يمكن لمن يُفترض أنه الحارس الأول للمال العام أن يكتفي بعبارة أقرب إلى رفع العتب منها إلى اليقين المالي؟
الوزير قدّم مسار الدعم بطريقة تبدو منسقة ومنطقية: الدولة ترصد الأموال، تصرفها عبر المستوردين والمهنيين، وتنتظر أن يصل أثرها إلى المواطن.
لكن المسار نفسه الذي يقدّمه كنموذج عقلاني هو الذي يكشف الثغرة المركزية: الدولة تعرف فقط بداية الطريق، أما نهايته فتبقى رهينة “السوق”، أي رهينة المتغيرات و«الفرص» التي تستهوي جيوب الوسطاء قبل أن تصل لأيدي المحتاجين.
ولهذا قالها بصراحة غير مسبوقة: «الله أعلم».
هذا ليس جهلاً هذا اعتراف ناعم بأن الحكومة تبني جزءاً كبيراً من سياستها الاجتماعية على الثقة، لا على التتبع، على النية، لا على الضبط، على الفرضيات، لا على المعطيات.
الدعم يُبرَّر باسم المواطن، ويُصرف عبر الشركات، ثم يُفترض بحسن نية أنه وصل لمستحقه، لكن حين يسأل الناس: لماذا لا تنخفض الأسعار؟ لماذا لا يظهر أثر الدعم؟ لماذا تبقى القدرة الشرائية معلقة؟ يكون الجواب دائماً معلقاً هو الآخر: «خص التقييم».
لقجع نفسه أغلق نصف الجدل وهو يفتح النصف الآخر: الدولة الاجتماعية لا تُقاس بالميزانية المرصودة فقط، بل بمسار كل درهم يصل إلى المواطن.
وهنا بالذات ينهار الخطاب، لأن الدولة تعرف كم صرفت، لكنها لا تعرف كم وصل فعلاً تعرف كم دعمت، لكنها لا تملك خريطة واضحة لجيوب من انتفخت: هل هي جيوب الأسر التي تنتظر الخبز والزيت والسكن؟ أم جيوب من يقفون في منتصف الطريق، ويحوّلون الدعم إلى هوامش ربح إضافية؟
هنا يخرج الخطاب من منطق «التراكم» الذي يردده الوزير، ليدخل منطق «العمى» الذي يتجنّبه.
التراكم جميل حين يتعلق بالإصلاحات والمؤسسات، لكنه يصبح غامقاً حين يتعلق بتراكم الأخطاء والتساهل والتواطؤ الصامت مع عادات السوق.
فحين تقول الحكومة إنها لا تعرف المستفيد الحقيقي، فهي عملياً تقول إنها وضعت مليارات على الطاولة وطلبت من السوق أن يتصرّف «بضمير».
وعندما لا يتصرّف السوق بضمير، تتحول الدولة الاجتماعية إلى مجرد جملة تقنية معلّقة فوق الواقع.
ما قاله لقجع اليوم أكبر من جملة عابرة، إنه إعلان ضمني عن فلسفة إدارة المال العام:
الدولة تموّل…
الوسطاء يتحركون…
والمواطن ينتظر أن يرى «أثر الدعم» على فاتورته.
وإذا لم يره، فالجواب حاضر: «الله أعلم».
هذا التصريح لا يكشف فقط خللاً في الاستهداف، بل يكشف خللاً أعمق: أن الدولة الاجتماعية ما زالت تُدار بالآليات القديمة نفسها، لكن بميزانيات أكبر وأرقام أجمل.
بينما المواطن ما زال يعيش النتيجة نفسها: أسعار لا ترحم، وخدمات لا تتغير بالسرعة التي تتغير بها الخطابات.
بهذه الحلقة نفتح ملفاً سنواصل الغوص فيه، لأن خطاب لقجع اليوم لم يكن مجرد لحظة سياسية، بل كان نافذة واسعة على الطريقة التي تُدار بها مالية دولة كاملة: منطق يطمئن المؤسسات الدولية بالأرقام، ويترك المواطن معلقاً بالأسئلة.
