وسط موجة من “الإصلاحات” التي غالبا ما تُسَوَّق تحت يافطة التحديث والعقلنة، صادقت وزيرة الاقتصاد والمالية على تعديلات جوهرية مست النظام التكميلي والاختياري للتقاعد، الذي يشرف عليه الصندوق المغربي للتقاعد.
إصلاحات قد تُفهم، للوهلة الأولى، كخطوة تنظيمية تقنية، لكنها في العمق تحمل أكثر من إشارة إلى تراجع تدريجي عن فلسفة “الضمان” التي بُنيت عليها أنظمة الحماية الاجتماعية.
كشفت مصادر إعلامية أن القرار الجديد منح المنخرط الحق في تصفية حقوقه التقاعدية وفق ثلاث صيغ: إما عبر تسلُّم رأسمال دفعة واحدة، أو الاستفادة من إيراد مؤقت يُحدده بنفسه، أو تحويل تلك الحقوق إلى مؤسسة تأمين أو إلى الصندوق الوطني للتقاعد والتأمين من أجل الاستفادة من إيراد عمري.
لكن خلف هذه الخيارات، يلوح سؤال أكبر: هل نحن أمام تدبير اختياري فعلاً؟ أم أمام تخلٍ مؤسساتي عن التزامات الدولة طويلة الأمد تجاه شريحة الموظفين؟
المادة الرابعة من القرار فتحت الباب أمام تأجيل أو تعجيل الاستفادة من الحقوق التقاعدية بخمس سنوات، وهو إجراء يبدو مرناً ظاهرياً، لكنه قد يتحول إلى آلية لدفع المنخرطين، بشكل غير مباشر، إلى “تصفية مبكرة” تحفظ توازن الصندوق على حساب استقرارهم المستقبلي.
أما ما اعتبره البعض النقطة الأكثر إثارة للجدل، فهو ما ورد في المادة السابعة، التي خولت للمنخرطين إمكانية استرداد حقوقهم بنسبة 97% فقط، إذا لم تتجاوز مدة انخراطهم عشر سنوات.
إجراء قد يُفهم اقتصادياً، لكنه يطرح تساؤلاً حقوقياً بليغًا: لماذا يُخصم من مدخرات تعود لأشخاص لم يرتكبوا أي إخلال تعاقدي؟ وما مبرر هذا “الاقتطاع التأديبي” غير المعلن؟
وفي حال وفاة المنخرط، أو إصابته بعجز جسدي يفوق 66%، تُصرف حقوقه كاملة. وهو أمر يُحسب للمنظومة، لكنه في الوقت ذاته يطرح مفارقة: لماذا لا يُعامل الأحياء بنفس منطق الإنصاف الممنوح للأموات؟
أكثر من ذلك، فإن الطابع “الاختياري والفردي” للنظام، لا يعفي الدولة من مسؤولية توفير إشراف صارم، وضمانات واضحة للشفافية وحماية الحقوق، خاصة مع فتح الباب أمام تحويل الحقوق نحو شركات تأمين خاضعة لمنطق الربح، لا منطق الحماية الاجتماعية.
ختاماً، قد يبدو النظام الجديد خياراً إضافياً للموظف الباحث عن “أمان تكميلي”، لكن السؤال الذي يظل قائماً: هل نُريد فعلاً نظاماً تكميلياً؟ أم أننا نُعيد صياغة التقاعد بأسلوب يجعله أقرب إلى “مقامرة مالية راقية” تُدبَّر خارج منطق العدالة الاجتماعية، وتُحمِّل الفرد وحده عبء تقلبات المستقبل؟