منذ سنة 2013، وُضع قانون يمنح المقاولات الصغيرة والمتوسطة، والتعاونيات، والمقاولين الذاتيين، حصة لا تقل عن 20 في المئة من الصفقات العمومية.
لكن بعد مرور أكثر من عقد من الزمن، لم تصدر المراسيم التطبيقية، وكأن النص القانوني كُتب فقط ليُعلّق في الرفوف. النتيجة: خسائر بلغت 68 مليار درهم تكبدتها المقاولات الصغرى والمتوسطة في سنة واحدة، بينما السوق ظل مفتوحاً أمام كبار الفاعلين الذين يتحركون بثقة في ظل حماية رجل الظل.
كشفت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، في جواب برلماني أن الحكومة خصصت أفضلية بـ30 في المئة من الصفقات لهذه الفئات.
كلام يبدو جميلاً في الورق، لكنه يصطدم بالواقع حيث القانون بلا مراسيم مجرد وعد مؤجل. فالصفقات الكبرى، من ملاعب المونديال إلى الطرق والموانئ والمطارات، تبقى محجوزة لشركات محدودة العدد، تُحركها شبكات النفوذ، بينما يُترك الصغار ليستجْدوا الفتات.
الوزيرة أحصت سلسلة طويلة من البرامج: “فرصة”، “أوراش”، “إدماج”، “تأهيل”، “أنا مقاول”، “مؤازرة”، وميثاق الاستثمار الجديد.
أسماء لامعة تتزاحم في الخطب، لكنها على الأرض متفرقة، مجزأة، تفتقر إلى نفس واحد يضع المقاولة الصغيرة في قلب الاقتصاد بدل أن يجعلها ديكوراً في التقارير. المفارقة أن هذه البرامج تصرف عليها الملايير، بينما المستفيدون الحقيقيون ما زالوا خارج السوق الرسمية، يواجهون البيروقراطية والضرائب غير العادلة.
الأكثر إثارة أن الحكومة تتحدث عن “إدماج القطاع غير المهيكل” وكأنه احتياطي ضريبي نائم يجب استغلاله، بينما تغفل أن أول خطوة للإدماج هي احترام القانون الذي منح الأفضلية منذ 2013. كيف يُطلب من المقاول الذاتي أن ينخرط في المنظومة، بينما المنظومة ذاتها عاجزة عن إصدار مرسوم يفتح له باب الصفقات؟
في العمق، القضية ليست تقنية بل سياسية. هي لعبة أولويات: رجل الظل يرعى الصفقات الكبرى ويهندس المشاريع المليارية، بينما المقاول الصغير يظل عالقاً في الهامش، ينتظر أن يتحوّل القانون من ورق إلى فعل.
وإذا كان الاقتصاد الوطني يعوّل على هذه الفئات لخلق الشغل ومحاربة الهشاشة، فإن تهميشها ليس سوى وجه آخر لمغرب بسرعتين: سرعة المشاريع الكبرى الموجهة للواجهة، وسرعة ضائعة للمقاولات الصغيرة التي تحمل على كتفيها 95 في المئة من النسيج الاقتصادي.