بين نهاية ماي وآخر غشت 2025، أعلنت الحكومة عن رُزمتين ضخمتين لدعم الماشية ومربيها: الأولى بقيمة 6.2 مليارات درهم لإعادة تكوين القطيع على امتداد سنتي 2025 و2026، والثانية بـ 11 مليار درهم إضافية كحزمة استعجالية جديدة. المجموع: 17 مليار درهم خلال أقل من ثلاثة أشهر. رقم هائل يعكس حجم الأزمة، لكنه يفتح في الآن ذاته باباً آخر من الأسئلة: من يستفيد فعلياً من كل هذه المليارات؟ ولماذا لم تُنشر إلى اليوم معطيات دقيقة حول هوية المستفيدين وحصصهم؟
أُعلن رسمياً أن القطيع الوطني يضم أزيد من 32.8 مليون رأس (أغنام، ماعز، أبقار، إبل)، مع تسجيل تراجع حاد في أعداد الأبقار والإبل مقارنة بالمعدلات التاريخية.
كما دعت المؤسسة الملكية إلى الامتناع عن ذبح الأضاحي حفاظاً على الإناث المنتِجة، فيما قررت الحكومة منع ذبح هذه الأخيرة قانونياً. كل هذه الخطوات توحي بأن الهدف واضح: إنقاذ السلسلة وضمان عودتها إلى “الوضع الطبيعي”.
غير أن المربّي الصغير، الذي يُفترض أن يكون الحلقة الأكثر هشاشة، لا يعرف إلى اليوم إن كان يصل نصيبه من هذه المبالغ، أم أنها تتبخر في حلقات الوساطة والسلاسل الكبرى.
هنا يطل الدستور بوضوح. فالفصل 27 ينص على أن “للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام”.
معنى ذلك أن كل درهم يُصرف من المال العمومي يجب أن يكون متبوعاً بمعطيات دقيقة وشفافة تُنشر للرأي العام: أسماء المستفيدين، طبيعة الدعم، وحجمه. لكن حين تغيب هذه المعلومات، يصبح الأمر أشبه بـ”توزيع خلف ستار الصمت”، حيث لا أحد يعلم من قبض فعلاً نصيبه ومن تُرك على الهامش.
غياب نشر هذه اللوائح يضعف الثقة ويغذي الانطباع بأن الدعم موجه أكثر إلى الكبار لا إلى الصغار. فالشفافية ليست ترفاً سياسياً ولا تقنية محاسباتية، بل شرطٌ جوهري لتبرير استمرار إنفاق مليارات الدراهم من المال العمومي.
كيف يمكن إقناع مواطن يشتري الكيلوغرام من اللحم بثمن مرتفع بأن هذه المليارات صُرفت لصالحه، وهو لا يرى أثراً في السوق ولا وثيقة تؤكد أن المربّي الصغير نال حقه؟
إن نجاح السياسة لا يُقاس بعدد الرؤوس التي تُحصى في الإحصاءات الرسمية، ولا بحجم المبالغ التي يُعلن عنها في البلاغات الحكومية، بل بمدى قدرة الأسر على اقتناء البروتين الحيواني بسعر معقول، وبعودة المربّي الصغير إلى الربحية دون انتظار صدفة إعانة جديدة.
وما لم تُنشر بيانات مفصلة وعلنية عن المستفيدين، فإن كل هذه البرامج ستظل مجرد عناوين كبرى معلّقة في الهواء، بلا أثر ملموس على الأرض.
17 مليار درهم كافية لتغيير وجه القطاع لو وُجهت بعدالة وشفافية. لكن حين تُوزَّع خلف ستار الصمت، فإن الفصل 27 يسقط عملياً في أول امتحان للشفافية، ويظل المواطن البسيط خارج الصورة وهو صاحب الحق الأصيل في المعلومة بموجب الدستور.