أعلنت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، أن مشروع قانون المالية لسنة 2025 يتضمن إعفاءً تدريجياً لمعاشات المتقاعدين من الضريبة على الدخل، على أن يدخل حيّز التنفيذ الكامل ابتداءً من فاتح يناير 2026، بكلفة تقدّر بحوالي 1.2 مليار درهم سنوياً.
قرار يبدو في ظاهره انتصاراً لعدالة اجتماعية طال انتظارها، لكنه يفتح في العمق أكثر من علامة استفهام حول توقيت تنزيله، وحول قدرة الميزانية العامة على تحمّل هذه الكلفة وسط سياق اقتصادي ضاغط.
كشفت مصادر إعلامية أن أكثر من 750 ألف متقاعد سيستفيدون من هذا الإجراء، غير أن الطريق نحوه سيقطع مرحلتين: خصم 50% من مبلغ الضريبة ابتداءً من يناير 2025، ثم الإعفاء الكلي في يناير 2026.
هنا بالذات تُطرح المفارقة: لماذا لا يتم تفعيل الإجراء كاملاً ابتداءً من السنة المقبلة؟ أهو عجز في القدرة المالية، أم مجرد احتفاظ بورقة انتخابية يتم إخراجها في الوقت المناسب؟
الأرقام التي تضمنها عرض الوزيرة تبدو لامعة: 200 ألف شخص سيستفيدون في أفق عشر سنوات من معاش الشيخوخة الجديد، بكلفة إضافية تناهز 10 مليارات درهم.
لكن خلف هذه الملايير يقف سؤال آخر مسكوت عنه: أي مستقبل لأنظمة التقاعد نفسها، التي يصفها الخبراء بأنها على حافة الإفلاس بسبب الخلل بين مساهمات النشطين وكلفة التعويضات؟
وليس بعيداً عن ملف التقاعد، واصلت الوزيرة سرد إنجازات الحكومة في مجال الحماية الاجتماعية، من توحيد تدبير أنظمة التغطية الصحية إلى تسوية الملفات عبر بوابة “تعويضاتي”.
غير أن ما لم يُذكر هو واقع المستشفيات العمومية المتأزم، وطوابير المرضى أمام مراكز العلاج، والتفاوتات الجهوية الصارخة في الولوج إلى خدمات الصحة.
الجوهر إذن ليس في حجم الإعفاءات ولا في عدد القوانين والمرسومات، بل في سؤال أولويات السياسة العمومية: هل تُصرف المليارات لإصلاح الأعطاب الهيكلية وضمان الكرامة اليومية للمتقاعدين، أم يتم توزيعها كمسكنات ظرفية تحمل في طياتها نفَساً انتخابياً أكثر مما تحمل رؤية استراتيجية؟
