أصدرت المندوبية السامية للتخطيط حساباتها الجهوية لسنة 2023، لم يكن الأمر مجرد نشر لأرقام جامدة، بل أشبه بمرآة كشفت وجهاً آخر للمغرب: اقتصاد يتحرك بسرعتين، ونفقات استهلاك تتركز في جغرافيا محدودة، بينما باقي الجهات تكتفي بالفتات.
كشفت المذكرة أن خمس جهات فقط التهمت ثلاثة أرباع نفقات الاستهلاك النهائي للأسر (74 في المائة)، تتصدرها جهة الدار البيضاء–سطات بربع الكعكة الوطنية، تليها الرباط–سلا–القنيطرة (14,6 في المائة)، وطنجة–تطوان–الحسيمة (11,7 في المائة)، ثم فاس–مكناس (11,5 في المائة) ومراكش–آسفي (11,3 في المائة). أمّا باقي الجهات مجتمعة، فاقتسمت ربع الاستهلاك الوطني.
النفقات النهائية للأسر بلغت 891,9 مليار درهم سنة 2023، لكن ما يثير الانتباه هو الفوارق الحادة بين نصيب الفرد في الجهات: من 32.700 درهم في الداخلة–وادي الذهب إلى أقل بكثير في جهات أخرى، بينما المعدل الوطني لم يتجاوز 24.092 درهماً للفرد.
النمو بدوره لم يخلُ من مفارقات. خمس جهات فقط تجاوزت المعدل الوطني (3,7 في المائة)، على رأسها الداخلة–وادي الذهب (10,1 في المائة) مدفوعة بالصيد والبناء والأشغال العمومية، تليها فاس–مكناس (8,9 في المائة) بفضل الفلاحة والخدمات، ثم مراكش–آسفي (6,3 في المائة) بفضل انتعاش السياحة. في المقابل، سجّلت جهات أخرى معدلات أقل من المتوسط، فيما دخلت بني ملال–خنيفرة في انكماش صريح (-1,3 في المائة) بسبب تراجع القطاع الفلاحي.
هذه الأرقام تكشف أن المغرب يعيش على إيقاع اختلالات مجالية صارخة: جهات تُحلّق، وأخرى تتعثر. ومع كل دورة اقتصادية، يتعمق سؤال قديم جديد: هل يمكن لنمو غير متكافئ أن يبني تنمية متوازنة، أم أننا بصدد ترسيخ “مغرب بسرعتين”؟