في قلب ورزازات، حيث الشمس لا ترحم والجبال تحاصر الأفق، تعيش ساكنة دوار تاكضيشت، أو ما يُعرف محلياً بـ“عروسة إزناكن”، امتحاناً يومياً مع العطش.
الماء الذي ينص عليه الدستور كحق أساسي لم يعد متاحاً إلا عبر شاحنة صهريجية تمر على فترات متقطعة، لا تكفي سوى لسد رمق الشرب. السطول الفارغة والطوابير الطويلة صارت المشهد المعتاد في الدوار، كأن الحياة تُقاس بانتظار قطرة.
الأهالي يقولون إن الأزمة تفاقمت بعد جفاف البئر القديم واستنزاف الموارد بفعل دخول مستثمرين في زراعة البطيخ، الذين حفَروا آباراً عميقة لملء حقولهم.
كانت الحدائق خضراء والأراضي خصبة، لكنها اليوم صفراء قاحلة، لتدفع الكثير من الأسر نحو الهجرة. في المقابل، تبقى مشاريع مثل بناء سدّ تلي أو ربط الدوار بالشبكة مجرد وعود مؤجلة.
لكن بينما يلهث المواطن وراء جرعة ماء، تنشغل أغلبية الأحزاب السياسية في الرباط بمذكرات انتخابية تطالب بزيادة الدعم العمومي المخصص لها وبمقاعد إضافية تحت قبة البرلمان. كأن المشكل الحقيقي في المغرب ليس في السطول الفارغة، بل في عدد الكراسي الممتلئة.
المفارقة صارخة: الماء صار رفاهية، والامتياز صار قاعدة.
تدهور الأوضاع المعيشية وغلاء الأسعار يزيدان الطين بلة. القدرة الشرائية تنهار، والمواطن البسيط يُرهَق بين السوق والسطول، بينما يتبارى ممثلوه في توزيع الوعود وانتزاع المناصب. إنها صورة تختزل فجوة عميقة بين مغربين: مغرب يعاني عطش الخبز والماء، ومغرب يعيش فائض الكلام السياسي.
إن تاكضيشت ليست نقطة معزولة في الخريطة، بل رمز لقرى المغرب العميق حيث يغيب الماء وتغيب التنمية معاً. ومن ورزازات إلى غيرها من الأقاليم، يتكرر السؤال: ما جدوى سياسة تفيض خطباً ولا تروي عطشاً؟
وفي النهاية، يبقى المواطن في تاكضيشت شاهداً على معادلة غريبة: دستور يَعِدُه بالماء، وأحزاب تعد نفسها بالمزيد من المقاعد، وصهريج يتأخر ليذكّر الجميع أن الحق في الحياة لا يُختزل في فائض الكلام.