مع اقتراب الانتخابات التشريعية لسنة 2026، استعادت الأحزاب السياسية شهيتها، لا على النقاشات الكبرى ولا على الإصلاحات المؤجلة، بل على المال العمومي.
مذكرات رسمية رفعتها إلى وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت تطالب بمضاعفة الدعم المخصص للحملات الانتخابية: من 60 إلى 80 مليون درهم، بينما 22 حزباً صغيراً تجرأت على المطالبة برفع الميزانية الإجمالية من 75 إلى 200 مليون درهم، مبررة ذلك بارتفاع كلفة الحملات وضغط المصاريف.
لكن السؤال البسيط يفرض نفسه: إذا كانت بعض هذه الأحزاب عاجزة حتى عن إقناع الناس بالتصويت لها، فكيف تبرر شهيتها المفتوحة على الملايين؟
تقارير المجلس الأعلى للحسابات لا تكف عن توثيق خروقات جسيمة في تدبير المال العمومي الموجه للأحزاب. تجاوزات للسقف القانوني للهبات، مصاريف بلا تبريرات مقنعة، وأحزاب غارقة في الملاحظات المالية.
ورغم ذلك، لا حرج لديها في أن تطالب اليوم بمزيد من المال العام، وكأن المحاسبة آخر ما يخطر ببالها.
المفارقة صارخة: أحزاب لم تستطع ترتيب دفاترها الداخلية، تريد الآن أن تفتح دفاتر الدولة على مصراعيها.
المشهد يختزل أزمة أعمق من مجرد تمويل. فالأحزاب التي يُفترض أن تعيش بشرعية الناخبين، باتت تتغذى على الإعانات العمومية أكثر مما تستند إلى صناديق الاقتراع.
في وقت يئن فيه المواطن تحت وطأة الغلاء ويطالب بتوجيه الموارد نحو الصحة والتعليم والسكن، يخرج زعماء الأحزاب ليطالبوا بميزانيات انتخابية مضاعفة.
هكذا يتحول التمويل من وسيلة لضمان التعددية إلى ريع انتخابي. وهكذا يصبح المال العمومي غاية في ذاته، بدل أن يكون وسيلة لبناء الثقة والبرامج.
السؤال إذن لم يعد تقنياً: هل نرفع الدعم أم نقلصه؟ بل صار سياسياً وأخلاقياً في العمق: هل نملك أحزاباً تستحق أن تُموّل؟ أم مجرد واجهات انتخابية تتنفس من الخزينة وتختنق أمام المحاسبة؟