أعلنت وزارة الشباب والثقافة والتواصل عن إطلاق صفقة تنظيم الدورة الثالثة من المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب، المزمع إقامته في فضاء “أنفا بارك” بالدار البيضاء بين 8 و16 نونبر 2025، بكلفة تقديرية بلغت 33 مليون درهم. رقم ضخم يثير الفضول: هل هو استثمار في مستقبل القراءة أم في صناعة الخيام والمولدات؟
كشفت وثائق الصفقة أن الهدف المعلن هو تعزيز مكانة الكتاب في حياة الناشئة، وتشجيع الأطفال والمراهقين على القراءة عبر إتاحة تجربة ثقافية غنية. عناوين لامعة، لكن عند تفكيك تفاصيل دفتر التحملات، نجد أن الحصة الكبرى من الجهد موجهة نحو التكييف، الكهرباء، الهياكل، والنظافة، أكثر مما هي نحو الكتاب نفسه.
المعرض، كما تقدمه الوزارة، فرصة للقاء القراء الشباب بمؤلفيهم المفضلين، وتنظيم ورشات إبداعية وتربوية لصقل مهارات التفكير النقدي والكتابة. غير أن السؤال المؤجل دائماً هو: ما حجم الميزانية المخصصة فعلاً لدعم الإبداع والنشر الجديد، وما نصيب البنيات اللوجستية التي تلتهم الملايين؟
في بلد ما زالت فيه مكتبات الأحياء تغلق أبوابها، والمدارس العمومية تعاني من نقص الموارد التربوية، يبدو صرف 33 مليون درهم على “حدث أسبوعي” مدعاة للتساؤل. هل نحن أمام سياسة ثقافية تؤسس لعادة القراءة لدى الأجيال، أم أمام موسم عابر تتحرك فيه عجلة المقاولات المكلفة بالخيام، الأمن، والتكييف؟
الوزارة شددت على أن صاحب الصفقة ملزم بتقديم خدمات عالية الجودة وفق المعايير الدولية، وأنها بدورها ستؤدي المستحقات في وقتها. لكن المعايير الدولية في الثقافة لا تُقاس بعدد المولدات الكهربائية، بل بمدى وصول الكتاب إلى التلميذ في القرية، أو إلى الطفل الذي لم يلمس كتاباً خارج مقرره الدراسي.
هكذا، يتحول المعرض إلى مرآة تعكس المفارقة: خطاب رسمي عن “تربية الناشئة على القراءة”، مقابل واقع تُصرف فيه الملايين على “إخراج الحدث في صورة براقة”. وبين الخطاب والصرف، يبقى سؤال جوهري معلق: من يملك شجاعة محاسبة الأولويات؟