عاد ملف التوظيفات الجامعية ليطفو على سطح النقاش العمومي، بعد أن تحوّل حلم شباب باحثين راكموا سنوات من النضال العلمي إلى كابوس اسمه “المباريات المفصلة”.
فكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير ونظيرتها بآيت ملول لم تعُد مختبراً للمعرفة، بل مختبراً لعلاقات النفوذ، حيث صارت الكراسي الجامعية توزع كما تُوزع الغنائم.
سؤال برلماني وقّعه نائب استقلالي، حمل إلى وزير التعليم العالي ما يشبه شهادة وفاة لمبدأ تكافؤ الفرص داخل الجامعة المغربية.
السؤال تحدث عن إقصاء ممنهج لملفات أكاديمية متكاملة، مقابل تمرير أسماء “مدعومة”، لا لشيء سوى لأنها مرتبطة بعائلات حزبية أو شبكات نافذة.
المصادر التي تتابع تفاصيل المباريات تحدّثت عن حالة صادمة: أستاذة بكلية آيت ملول اجتازت مباراة التوظيف بملف يتضمن مقالات مشبوهة، نسبة الانتحال فيها فاقت 80%، نشرت على عجل قبيل المباراة.
منصب صيغ على المقاس، وكأن الكرسي الجامعي كُتب باسْمها مسبقاً. الأخطر أن الشبهات لا تقف عند الأوراق، بل تمتد إلى روابط عائلية وحزبية تجعل الجامعة مجرد امتداد لصالونات القرار المحلي.
ولم تكن هذه الحالة استثناءً، بل مجرد رأس جبل الجليد. مترشح آخر حصل على الدكتوراه في صيف السنة الماضية، ثم “قفز” مباشرة إلى كرسي أستاذ التعليم العالي بأكادير، رغم أن ملفه فارغ من المنشورات الجادة. في المقابل، عشرات الملفات التي استوفت الشروط قُبرت في صمت، دون حتى تبرير من لجان الانتقاء.
إنها إذن صورة عن جامعة بلا جامعة، حيث يتحول الحرم إلى بازار مغلق، لا يمر فيه إلا من يملك بطاقة الانتماء أو صك القربى.
الباحثون الذين قضوا سنوات في المخابر والمكتبات يجدون أنفسهم غرباء في مؤسسة كان يفترض أن تكون بيتهم الأول. أما لجان الانتقاء، فبدل أن تكون حارسة للعلم والمعرفة، تحولت إلى أدوات لتوزيع المناصب كما تُوزع المقاعد الانتخابية.
هكذا تُغتال الكفاءات، وهكذا يتحول العلم إلى سلعة رخيصة. فكيف نُقنع جيلاً جديداً بالنزاهة العلمية إذا كان الأستاذ الذي يجلس على المنصة وصل إليها عبر ملفات منسوخة وولاءات مشبوهة؟ وكيف يمكن لجامعة محلية أن تحلم بترتيب عالمي محترم وهي تصر على قتل الم meritocracy في المهد؟
السؤال اليوم لم يعد مجرد قضية مباراة هنا أو هناك، بل هو سؤال مشروع: من يملك الجامعة المغربية فعلاً؟ هل هي مؤسسة عمومية للمعرفة، أم عقار حزبي تُبنى فوقه إمبراطوريات الولاءات؟