في كلمة احتفالية بمناسبة “يوم المساجد” لسنة 2025، أعلن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق عن برنامج ضخم لتأهيل البنايات الدينية المتضررة من زلزال الحوز.
2516 بناية دينية، منها 2217 مسجداً إلى جانب بعض الزوايا والأضرحة، خُصصت لها ميزانية فلكية تصل إلى 120 مليار سنتيم، مع جدول زمني يَعِد بإنهاء الأشغال في أفق 2026.
الأرقام الرسمية بدت محكمة: 1239 بناية أعيد فتحها بالفعل، 754 في طور الإصلاح، 530 على وشك الانطلاق، و1225 ستبدأ مع بداية السنة المقبلة.
غير أن الصورة الرسمية تُخفي مشهداً آخر: آلاف الأسر المنكوبة ما زالت تقاوم العراء، تعيش في خيام مهترئة منذ الزلزال، بين قساوة البرد ولهيب الصيف.
بعد سنتين من الكارثة، لم يجد هؤلاء سقفاً يحميهم، بينما وجدت المساجد والبنايات الدينية سقوفاً جديدة تُرمَّم بملايير السنتيمات. المفارقة هنا صارخة: الحجر يُرفع بسرعة، فيما الأرواح تظل معلقة على قماش الخيام.
أحمد التوفيق، الذي تجاوز عقدين على رأس وزارة الأوقاف، يظل في منطقة محمية بعيدة عن أي مساءلة سياسية أو برلمانية.
وزارته تتحرك في فضاء خاص، تُعلن عن إنجازات كبرى، وتوزع بيانات رسمية، لكن السؤال الجوهري لا يُطرح: بأي منطق تُرمَّم المساجد والبنايات الدينية بمئات المليارات، بينما بيوت المواطنين لم تُبنَ بعد؟
الخطاب الرسمي يفاخر بإعادة فتح المئات من المساجد، لكن على الأرض مدارس مهدمة لم تُرمم، مستشفيات جهوية بلا تجهيزات، وقرى بكاملها ما زالت تحت رحمة الخيام.
في مغرب اليوم، يبدو أن قاعة للصلاة تُبنى قبل قسم لتعليم طفل، ومحراب يُرمم قبل سرير يُعالج فوقه مريض.
المفارقة تتضاعف حين تفتخر الوزارة بدور “المحسنين” في إعادة فتح بيوت العبادة، بينما وظيفتها تقتصر على التنسيق والاحتفال. المواطن يموّل العبادة من جيبه، ثم تُقدَّم مساهمته على أنها إنجاز رسمي. وفي المقابل، نفس المواطن قد يظل سنوات متتالية في خيمة من قماش، بلا ماء ولا كهرباء ولا كرامة.
لا أحد يجادل في مكانة المساجد في الهوية الروحية والمعمارية للمغرب، لكن حين تتحول العناية بها إلى أولوية مطلقة تلتهم المليارات، بينما القطاعات الأساسية كالصحة والتعليم والسكن تُترك في الظل، فالسؤال يصبح ملحّاً: هل نحن أمام دولة ترمم الإنسان قبل الحجر، أم مجرد إدارة تتقن تغليف الرموز الدينية لتغطية عجزها في البنيات الحيوية؟
في القرى المتضررة من الزلزال، الخيمة ما زالت بيتاً قسرياً، والمدرسة أطلالاً، والمستشفى القروي غرفة إسعافات أولية لا أكثر. وفي المقابل، المسجد يُرمم بسرعة، ويُفتتح في حفل رسمي، وتُكتب عنه البلاغات.
المفارقة هنا مؤلمة: المصلون يجدون سقفاً جديداً، بينما المواطن يظل تحت خيمة بالية.
وحين تُصرف 120 مليار سنتيم على الحجر والبنايات الدينية، فيما آلاف الأسر ما زالت في الخيام، فإن الرسالة غير المعلنة واضحة: الأولوية ليست للإنسان بل للحجر.
ومع أن بيوت الله تستحق العناية، فإن أعظم عبادة تبقى في صون الكرامة الإنسانية. والسؤال الذي يظل معلقاً: هل نبني وطناً يعبد فيه الناس بكرامة، أم وطناً تُرمم فيه الجدران بينما الأرواح تُترك للتيه؟