في لحظة تاريخية يتقد فيها الشارع المغربي باحتجاجات جيل Z، اختارت الأغلبية الحكومية أن تواجه العاصفة ببلاغ مطوّل أقرب إلى خطاب بروتوكولي منه إلى جواب سياسي حقيقي.
بلاغ يفيض بالعبارات المألوفة: “استحضار التوجيهات الملكية”، “الانصات المسؤول”، “تقدير التفاعل الأمني”… لكن ما يغيب فيه هو الاعتراف الصريح بأزمة ثقة غير مسبوقة بين المواطن ومؤسساته.
الحكومة تحدثت عن إصلاحات كبرى في قطاع الصحة، عن مجموعات صحية ترابية، ومستشفيات مؤهلة، وأطباء يتزايد عددهم وفق “المعايير الدولية”.
غير أن الواقع يروي قصة مغايرة: طوابير المرضى في أبواب المستشفيات، خصاص مزمن في الموارد البشرية، وشباب يرفعون شعارات العطش واليأس في قلب المدن. الإصلاحات قد تكون قيد الإنجاز على الورق، لكنها لم تلمس بعد حياة الناس اليومية.
البيان حيّا “التفاعل المتوازن للسلطات الأمنية”. صيغة دبلوماسية لإضفاء الشرعية على تدخلات لم يسلم منها عشرات الشبان، الذين وجدوا أنفسهم أمام المحاكم بدل قاعات الحوار.
هنا يظهر التناقض الصارخ: كيف يمكن الحديث عن الحوار والمؤسسات، بينما الجيل الذي يطالب بالصحة والتعليم يجد نفسه في مواجهة مع قوات الأمن؟
جيل Z ليس مجرد حالة عابرة إنه جيل خرج من رحم الرقمنة إلى الشارع ليقول إن لغة البلاغات لم تعد تقنعه. في المقابل، الأغلبية الحكومية تربط كل فعل سياسي باستحضار خطابات ملكية، وكأنها تسعى لتثبيت شرعية فوقية تعوّض عن فقدان الثقة الأفقية.
لكن الشرعية اليوم تُختبر في الشارع، في المدارس المهترئة والمستشفيات المنهكة، وليس فقط في القاعات الرسمية.
في النهاية، ما قدمته الأغلبية ليس سوى محاولة لتأجيل المواجهة مع الأسئلة الحقيقية: أين تذهب الثروات؟ لماذا تتسع الفوارق؟ وكيف يمكن بناء عقد اجتماعي جديد يُعيد الاعتبار للثقة الممزقة؟ البيانات قد تبرّد اللحظة، لكنها لا توقف الغليان.
المغرب اليوم أمام مفترق طرق: إما أن يظل أسير لغة الخشب التي تُجمّل الواقع وتُسكّن الأزمات، أو أن ينتقل إلى زمن الحقيقة حيث لا يكفي الكلام، بل يصبح الإصلاح ضرورة وجودية.
جيل Z لا يطلب وعوداً ولا بلاغات؛ إنه يطلب مستقبلاً. ومن لا يسمع صوته الآن، قد يضطر غداً إلى الإصغاء تحت ضغط تاريخ لا يرحم.
