ياسر اروين
في ظل المظاهرات التي تعيشها مدن المغرب اليوم، يتكشف وجه أزمةٍ سياسيةٍ عميقة لم تعد تحتمل المساحيق اللفظية ولا البلاغات الرسمية.
فما يجري في الشارع لم يعد مجرد تعبير عن غضب اجتماعي عابر، بل تحوّل إلى شهادة حيّة على انهيار ثقة متراكمة بين المواطن وبنية سياسية برمتها، أغلبية ومعارضة على السواء.
بلاغ رئاسة الحكومة الأخير كان نموذجاً لهذا العجز: جُمَل خشبية تستعيد قاموساً مستهلكاً، بلا برنامج ولا أفق، بينما تتصاعد مطالب الناس في الصحة والتعليم والعمل بحدة غير مسبوقة.
وزيرة بارزة مثل فاطمة الزهراء المنصوري، في خرجة إعلامية علنية، بدت وكأنها تُعلن نصف الحقيقة: أن الحكومة لم تعد قادرة على مواجهة الشارع ولا على الدفاع عن سرديتها.
كأنّ السلطة التنفيذية نفسها صارت واعية بأن خطابها الرسمي لم يعد يُقنع حتى دوائرها الداخلية.
في مثل هذا السياق، لم يعد الرهان على إعادة تدوير نفس الأحزاب أو ترقيع نفس الائتلاف مجدياً.
فالمعضلة ليست في الأشخاص بقدر ما هي في عجز النموذج الحزبي عن إنتاج الثقة والحلول.
هنا تبرز الحاجة إلى تدخل ملكي عاجل، يفتح مساراً انتقالياً جديداً عبر تشكيل حكومة تكنوقراطية مؤقتة، مصغّرة وفاعلة، تضم الوزارات الحيوية: الداخلية، الصحة، التعليم، والشغل.
حكومة برئاسة ولي العهد تحمل رمزية مزدوجة: إشارة إلى القرب من نبض الشارع، وضمانة لقيادة جيل جديد من الإصلاحات.
الغاية من هذا الانتقال ليست الانقلاب على السياسة، بل إنقاذ السياسة من نفسها، عبر فترة مؤقتة تُهيّئ الأرضية لاستحقاقات تشريعية جديدة، تُجرى في أفق يتيح إعادة بناء الثقة على أسس أكثر صلابة.
فالتجربة العالمية تؤكد أن التكنوقراط ليسوا بديلاً دائماً، بل جسراً ضرورياً حين تفشل البنى التقليدية في أداء وظائفها. وإدارة الملفات العاجلة من المنظومة الصحية المتصدعة، إلى التعليم العمومي المتهالك، وصولاً إلى بطالة الشباب لا تحتمل رفاهية الانتظار ولا نزاعات الحسابات الانتخابية.
الدرس الذي يقدمه الشارع اليوم واضح: الشرعية الحقيقية لا تُستمد من المقاعد البرلمانية وحدها، بل من القدرة على الإنصات للناس وحل مشاكلهم.
وفي لحظات الانسداد، يكون صوت الشارع وصوت الملك هو الضامن الوحيد لاستمرار الدولة.
إنها لحظة مفصلية: إمّا أن يُعاد ترتيب البيت من الداخل بحكمة وجرأة، أو يُترك المجال لانفجار الغضب بلا أفق.
