لم تعد الاحتجاجات التي يشهدها المغرب مجرد تعبير اجتماعي عابر، بل تحوّلت إلى ما يشبه أزمة شرعية سياسية تمس جوهر العلاقة بين الدولة والمجتمع.
فالمطالب التي يرفعها المحتجون لم تعد محصورة في تحسين الخدمات الصحية أو تجويد المدرسة العمومية، بل ارتقت إلى مطلب سياسي غير مسبوق: إقالة الحكومة بأكملها باعتبارها فقدت القدرة على تجسيد المسؤولية وربطها بالمحاسبة.
الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، حاول الدفاع عن حصيلة السلطة التنفيذية عبر لغة الأرقام، مشيراً إلى ارتفاع ميزانية الصحة من 20 إلى 32 مليار درهم، والتعليم من 50 إلى 80 ملياراً.
لكن هذه الأرقام، مهما بدت كبيرة، لا تنجح في إخفاء عجز المحاسبة الذي يطبع عمل الحكومة.
فالمستشفيات ما زالت تعاني من أعطاب هيكلية، والمدارس العمومية فقدت قدرتها على أداء دورها التاريخي، فيما الثقة الشعبية في تراجع مستمر.
إن ما يكشفه الشارع اليوم هو أن الشرعية لا تُقاس بحجم الموارد المرصودة ولا بتقنيات التدبير المالي، بل بقدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها، وتحمل تبعات فشلها أمام المواطنين.
وهذه المعادلة البسيطة هي ما يُغيب عن الخطاب الرسمي: الشرعية تُكتسب بالمحاسبة، لا بالوعود.
المغرب، في هذه اللحظة المفصلية، يقف أمام خيارين متناقضين: إما الاستجابة لنداء الشارع عبر تجديد سياسي يفتح صفحة جديدة قوامها الثقة والشفافية، أو الاستمرار في الإنكار الذي لن يؤدي إلا إلى توسيع الهوة بين السلطة والمجتمع وتعميق الانقسام الاجتماعي.
لقد تجاوز الغضب الشعبي لغة الاحتجاجات المطلبية ليصبح إعلاناً واضحاً: حين تسقط الشرعية، يصبح التغيير ضرورة لا ترفاً.
 
								

