When Deficit Becomes Policy — 50.5 Billion Dirhams as a Living Example of Fiscal Creativity
الأرقام لا تكذب، لكنها تعرف جيدًا كيف تتجمّل حين تمرّ عبر البلاغات الرسمية.
تقرير وزارة الاقتصاد والمالية حول تنفيذ قانون المالية إلى غاية متم شتنبر 2025، يقدم لوحة مالية براقة في ظاهرها، غامضة في جوهرها.
تقول الوزارة إن العجز بلغ 50,5 مليار درهم، لكنها في الوقت ذاته تتحدث عن “فائض في الموارد” قدره 14,7 مليارًا. مفارقةٌ تليق بعصرٍ تتغيّر فيه القواعد: صار العجزُ مؤشّرًا على النجاح، والاقتراضُ عنوانًا للتوازن، والفائضُ مجرّد صيغة لغوية لتزيين التقارير.
فبحسب الأرقام الرسمية، جمعت الدولة إلى غاية شتنبر ما مجموعه 557,6 مليار درهم من الموارد، أي بمعدل إنجاز يقارب 85 في المئة من التوقعات.
رقم يبدو مدهشًا، لكن نصفه تقريبًا من الديون، لا من الاقتصاد الحقيقي. أكثر من 100 مليار درهم جاءت من الاقتراض، أي من المستقبل لا من الحاضر.
الدولة تقترض لتقول إنها لا تعاني من العجز، وتسدد الدين لتثبت قدرتها على الاقتراض من جديد. دورة مالية مغلقة على نفسها، تشبه حلقة ضوءٍ تدور حول نفس السؤال: من يمول من؟
أما النفقات، فبلغت حوالي 542,9 مليار درهم، نصفها تقريبًا نفقات عادية ورواتب، بينما لم يتجاوز الاستثمار 78 مليارًا بمعدل إنجاز لا يصل حتى إلى الثلثين.
وهنا يظهر جوهر “الإبداع المالي”: صرفٌ منتظم على الأجهزة والإدارات، مقابل استثمارٍ متقطّع في البشر والجهات. ميزانية تُغذي المكاتب أكثر مما تُغذي الأسواق، وتنعش الحسابات أكثر مما تُنعش الحياة.
الوزارة بدورها مطمئنة، لأنها تتقن فن تحويل الأرقام إلى قصص نجاح. عائدات الضرائب ارتفعت، والحسابات الخصوصية للخزينة جمعت 141,8 مليار درهم، ومرافق الدولة المسيرة بصفة مستقلة تجاوزت 117 في المئة من التوقعات.
كل شيء يسير “وفق البرنامج”، إلا المواطن الذي لم ير من كل هذا سوى الأسعار التي ترتفع بالسرعة نفسها التي ترتفع بها البلاغات فالفائض في الورق لا يملأ السلة، والعجز في الواقع لا يُغلق بدفاتر الحساب.
الأدهى أن أكثر من 59 في المئة من الاقتراض تم عبر السوق الداخلي، أي من جيوب المغاربة أنفسهم، عبر البنوك وسندات الخزينة.
المواطن صار الممول والمستهلك والمقترض في الوقت نفسه. الدولة تستدين منه باسم التوازن المالي، ثم تعود لتطالبه بالثقة في “الاستقرار الاقتصادي”. إنها معادلة تُدار بنكهة البلاغة أكثر من منطق العدالة.
وفي ختام الفصل الثالث من السنة، تعلن الوزارة عن “رصيدٍ عادي إيجابي” قدره 30,5 مليار درهم عنوان يبدو مطمئنًا، لكنه لا يجيب عن الأسئلة الحقيقية: كيف يتحول الفائض إلى عجزٍ في المستشفيات والمدارس؟ وكيف ترتفع المداخيل دون أن تنخفض الأسعار؟ الأرقام، كما تعلّمنا، لا تسكن الأسواق، بل البلاغات.
إنها سياسة مالية تُمارس كفنٍّ في الإقناع، لا كمنظومةٍ في الإصلاح كل شيء محسوب بالأرقام، إلا ما لا يُقاس: ثقة المواطن في دولةٍ تصرف أكثر مما تُنتج، وتقترض أكثر مما تُحاسب.
وبين عجزٍ معلَن وفائضٍ مُتخيل، تبقى 50,5 مليار درهم شاهدةً على زمنٍ جديد في تدبير المال العام، حيث يُسمّى العجز سياسة… ويُقدَّم كإبداعٍ وطني في التوازن المحاسبي.
 
								

