بقلم: نعيم بوسلهام
بينما لا تزال تداعيات احتجاجات جيل “زد” تخترق جدار الصمت الرسمي، عاد النقاش السياسي في المغرب إلى واجهة المشهد حول الإعداد للانتخابات المقبلة، وكأنّ صندوق الاقتراع هو المخلّص المنتظر من أزماتٍ تراكمت على كل المستويات. فجأة، انطلقت الأحزاب في سباقٍ مبكر للظفر بثقة الشارع، فيما الخطاب العام يوهم المغاربة بأن الحلّ السياسي يبدأ وينتهي عند لحظة التصويت.
لكنّ الحقيقة المؤلمة هي أن الانتخابات في المغرب تحوّلت إلى طقسٍ مناسباتي أكثر منها آلية إصلاح. تُنظَّم بدقّة شكلية، تُزيَّن بالدعاية، وتُقدَّم للرأي العام كدليل على الحيوية الديمقراطية، بينما الواقع الاجتماعي يزداد هشاشة، والهوة بين الدولة والمجتمع تتسع.
يقول الكاتب الإيرلندي جورج برنارد شو: «الديمقراطية لا تصلح لمجتمع جاهل؛ لأن أغلبية من الحمير ستحدد مصيرك.» مقولة صادمة، لكنها تكشف بوضوحٍ أزمة الديمقراطية حين تنفصل عن الوعي.
فصندوق الاقتراع لا يصنع العدالة إذا امتلأ بأصواتٍ تُقاد بالعاطفة أو المال أو الدين، بل يصنع وهم التغيير داخل بنيةٍ لا تتغير.
جيل “زد” لم يخرج إلى الشارع من أجل أحزاب أو انتخابات، بل من أجل معنى أعمق للكرامة والمواطنة. خرج ليقول إن الديمقراطية ليست ورقة توضع في صندوق، بل ثقافة ومسؤولية وعدالة اجتماعية.
هذا الجيل كشف بوضوح أن السياسة في المغرب فقدت قدرتها على الإقناع، وأن الدولة ما زالت تتعامل مع الانتخابات كآليةٍ لتجديد الشرعية لا لتجديد الثقة.
الوعي الجمعي لم يعد يصدق أن مجرد التصويت كافٍ لإصلاح التعليم أو القضاء أو الصحة، لأن التجربة أثبتت أن الصناديق لا تغيّر شيئًا حين تبقى القواعد نفسها، والوجوه نفسها، والذهنية نفسها.
إنّ صناديق الاقتراع لا تصنع العدالة، بل الوعي والكرامة والعدالة الاجتماعية هي التي تصنع ديمقراطية حقيقية. فحين يغيب الوعي، تتحول الحرية إلى فوضى، والاختيار إلى عبودية جديدة.
اليوم، المغرب أمام مفترق طرق: إما أن يراجع معنى الديمقراطية بوصفها مشروعًا لبناء الثقة والعدالة، أو أن يستمر في تدوير المشهد الانتخابي داخل مسرحٍ بلا جمهور.
