A French Report Raises Doubts About the Quality of Moroccan Tomatoes… Is What We Export Cleaner Than What We Eat?
من مختبرات باريس إلى أسواق الدار البيضاء، وجدت الطماطم المغربية نفسها في قلب جدلٍ أوروبي جديد يخلط بين الاقتصاد والصحة والسياسة.
تقريرٌ صادر عن منظمة المستهلكين الفرنسية المرموقة UFC-Que Choisir أثار الشكوك حول جودة الطماطم المستوردة من المغرب وإسبانيا، بعدما كشفت تحاليل رسمية وجود بقايا مبيداتٍ مصنّفة أوروبياً على أنها “خطيرة على الصحة”، من بينها موادّ يُشتبه في تأثيرها المسرطن أو في اضطرابها لوظائف الغدد الصمّاء.
التحقيق الذي اعتمد على اختباراتٍ أجرتها السلطات الفرنسية بين سنتي 2019 و2022، شمل 174 عيّنة من الطماطم: 120 فرنسية، و33 مغربية، و21 إسبانية. وخلصت نتائجه إلى أن حوالي 40% من الطماطم المغربية والإسبانية تحتوي على بقايا مبيداتٍ خطيرة، مقابل 6% فقط من الطماطم المنتجة محلياً في فرنسا.
كما تبيّن أن أكثر من نصف العينات المغربية و80% من الإسبانية تضمّ “بقايا متعددة من المبيدات”، في حين لا تتجاوز النسبة 15% في الطماطم الفرنسية.
توصيات المنظمة كانت واضحة: على المستهلكين أن يفضّلوا المنتجات المحلية أو العضوية، وأن يغسلوا الخضر جيداً قبل الاستهلاك، لأن التحاليل لم تكشف أي بقايا خطرة في الطماطم البيولوجية، بغضّ النظر عن بلد المنشأ.
غير أن السؤال الأعمق ظلّ مطروحاً في المغرب: إذا كانت أوروبا تكتشف هذه البقايا في طماطم تُصدَّر بعد مراقبةٍ دقيقة، فماذا عن الطماطم التي تُزرع وتُباع داخل الأسواق الوطنية؟
المفارقة أن المغرب يُقدَّم منذ عقدين كقوّةٍ فلاحيةٍ صاعدة، ويُروّج لصورة “الفلاحة العصرية” كنموذجٍ للنجاح الوطني.
غير أن هذا النموذج نفسه يكشف اليوم هشاشةَ منظومة المراقبة وضعفَ الشفافية داخل المؤسسات المعنية. فحتى لحظة كتابة هذه السطور، لم تُصدر أي جهة مهنية أو صحية مغربية توضيحاً أو بياناً يردّ على التقرير الفرنسي.
وصمتُ الإدارة في مثل هذه القضايا لا يُقرأ كتحفّظٍ دبلوماسي، بل كارتباكٍ مؤسّسي أمام سؤالٍ جوهري: هل تملك الدولة نظاماً فعّالاً لمراقبة ما يُزرع ويُصدّر ويُستهلك؟ أم أن “السيادة الغذائية” تحوّلت إلى شعارٍ جميل يُخفي فراغاً رقابياً مقلقاً؟
المشكل لا يكمن في المبيد وحده، بل في فلسفة الاقتصاد الزراعي التي اختزلت الأرض في رقمٍ داخل جدول الصادرات.
حين تُختزل الفلاحة في منطق الربح، يُهمَل الإنسان الذي يُفترض أن يكون غايتها الأولى.
وحين يصبح التصدير هدفاً في ذاته، تتحوّل الجودة إلى ديكورٍ موجه للأسواق الأوروبية، لا لحماية موائد المغاربة.
وهكذا، تتحوّل الفلاحة “العصرية” إلى نموذجٍ انتقائيٍّ يخدم الخارج أكثر مما يخدم الداخل.
إن الدفاع عن صورة المنتوج المغربي لا يكون بالتبرير، بل بإصلاحٍ عميقٍ لمنظومة المراقبة والمحاسبة داخل المؤسسات الفلاحية والمختبرات الوطنية، من المكتب الوطني للسلامة الصحية إلى شركات التصدير.
ففي عالمٍ تُحدّد فيه “الثقة الغذائية” موقع الدول في خريطة التجارة الدولية، لا يمكن لبلدٍ يطمح إلى لعب دورٍ استراتيجي في الأمن الغذائي أن يواجه التقارير الدولية بالصمت.
القضية أبعد من طماطم أو مبيد، إنها سؤالٌ عن نموذج تنمويٍّ يضع الإنسان في آخر السطر.
فهل نبني اقتصاداً يُصدّر الغذاء الآمن، أم اقتصاداً يُسوّق الصورة ويترك المواطن يقتات على الشك؟
في النهاية، لا معنى لحديثٍ عن “السيادة الغذائية” ما لم تضمن الدولة أولاً حقّ المواطن في غذاءٍ نقيٍّ وآمن، خالٍ من السموم… ومن اللغة الخشبية في آنٍ واحد.
