From the Chick to the Treasury — A Parliamentarian Confronts Fouzi Lekjaa and Exposes the Flaws of Morocco’s 2026 Finance Bill
البرلمان المغربي لم يعرف هذا الأسبوع جلسة عادية.
الهدوء التقني الذي رافق عرض مشروع قانون المالية تحوّل إلى لحظة مساءلة سياسية حين أخذت الكلمة البرلمانية الاشتراكية عائشة الكرجي، موجّهة حديثها مباشرة إلى الوزير المنتدب المكلف بالميزانية فوزي لقجع.
لم تكن المداخلة تكرارًا للأرقام ولا للبلاغات الرسمية،
بل خطابًا بشريًا في وجه لغة الحسابات الباردة .
قالت له بنبرةٍ ساخرة وهادئة في آن واحد:
«كنا كنتسناو منك قانون مالية يفرّح المغاربة بنفس الجودة اللي فرحتونا بها في الملاعب .»
في لحظة، تغيّر المزاج داخل القاعة.
جملة واحدة جعلت النقاش المالي يتحول من “منطق النتائج” إلى “منطق المسؤولية”، ومن ملعب الكرة إلى ملعب السياسة.
الكرجي لم تهاجم، بل حلّلت بعين اجتماعية ذكية .
وصفت مشروع قانون المالية بأنه وثيقة دقيقة في الحسابات، لكنها باهتة في الرؤية.
يتقن لغة الأرقام ويخفق في لغة الإنسان .
الحكومة تتغنّى بالتوازنات الماكرو اقتصادية، بينما يعيش المواطن اختلالاته اليومية في الأسعار والبطالة والفوارق الطبقية.
“المواطن البسيط هو اللي كيموّل التوازنات الكبرى .”
كانت الجملة كافية لتُربك الخطاب الرسمي.
ففي منطق الكرجي، الدولة لا تُقاس بعجز الميزانية بل بعجز العدالة .
البرلمانية لم تكتفِ بالنقد العام، بل دخلت في تفاصيل الجباية والسياسات المالية .
اتهمت الحكومة بالبحث عن “سهولة التحصيل” بدل “صعوبة العدالة”.
قالت إن قانون المالية الجديد يُكرّس منطق التمييز:
إعفاءات سخية للشركات الكبرى، واقتطاعات خانقة على المقاولات الصغيرة .
“القانون فتح باب الجنة الضريبية للشركات الرياضية،وأغلق أبواب الإنصاف أمام المقاولات الصغرى.”
في عبارة واحدة، هزّت مفهوم “الإصلاح الجبائي” من جذوره.
فوزي لقجع، الذي نجح في تنظيم الحسابات، وجد نفسه أمام امرأة تذكّره بالحساب الحقيقي: حساب العدالة والكرامة .
ثم انتقلت الكرجي إلى الميدان الذي يمتحن صدق الأرقام: الفلاحة .
استحضرت الفلاح الصغير لا كمثال رمزي، بل كدليل على فشل السياسات الحكومية في حماية الإنتاج الوطني.
“الناس باعو الدجاج فابور فكورونا ، واليوم الشركات ديال العلف دايرة ما بغات.”
بكلمات بسيطة، كشفت مفارقة سوقٍ تُدار بالاحتكار لا بالقانون.
ثم أضافت بصوتٍ متزن لكن صارم:
“الفلاح كينتج ونهبطو ليه الثمن، وملي يبغي يزرع نطلّعو عليه الثمن.
الجملة دوّت في القاعة كتلخيصٍ لمعادلةٍ اقتصادية مقلوبة:
من يزرع لا يحصد، ومن يضارب يربح .
وفي حديثها عن البذور، نبّهت إلى خطرٍ صامت:
المغرب صار يستورد حتى زريعته، وينسى أن سيادته تبدأ من ترابه.
قالت بصراحة: حين لا نحمي بذورنا، لا نحمي وطننا.
لكن الرسالة الأعمق كانت في الجانب المجتمعي والسياسي.
في محور مغاربة العالم، طالبت الوزير بإجاباتٍ لا بتبريرات:
“فين هي الرؤية؟ فين التمويل؟ فين التدابير؟”
ذكّرت بأن دستور المملكة منح للجالية مواطنة كاملة، لكن الحكومة اختزلتها في تحويلات بنكية .
الجالية ليست بنكا متنقلا، بل شريك وطني غائب الحضور.
ثم عرّجت على العدالة المجالية، لتصوغ عبارتها التي صارت شعارًا:
“الميزانية كاينة، ولكن التأشير ما كاينش .”
جملة تختصر اختناق التنمية المحلية: المال موجود، القرار موقوف،وكأن المغرب يعيش فائضًا في الموارد وعجزًا في الإرادة .
وفي ختام مداخلتها، قالت بوضوحٍ يمزج الغضب بالأناقة:
“الناس ما بقاتش باغية أرقام، باغية كرامة .”
بهذه العبارة ختمت البرلمانية خطابها، فلم تعد القضية قانون مالية فقط، بل قضية فلسفة حكم .
خطابها أعاد إلى البرلمان بعضًا من روحه المفقودة،
وأعطى للمعارضة وجهها الطبيعي: صوت المواطن في مواجهة لغة السلطة.
من الكتكوت إلى الخزينة، ومن الفلاح إلى مغاربة العالم، عائشة الكرجي لم تكن مجرّد صوتٍ نسائيٍّ في جلسة تقنية، بل ضمير سياسي يذكّر الحكومة بأن التوازن الحقيقي هو توازن الإنسان قبل الميزانية .
في زمنٍ تُقاس فيه الكفاءة بعدد الجداول المالية، جاءت مداخلة واحدة لتُعيد تعريف النجاح:
أن تكون الأرقام في خدمة الناس، لا الناس في خدمة الأرقام.
بهذا التوازن الدقيق بين السخرية والتحليل، وقفت عائشة الكرجي أمام فوزي لقجع،فقالت له باسم المغاربة جميعًا:
الخزينة بخير… لكن الوطن يحتاج نفسًا أعمق .
