The Parliament Turns into a Legislative Mill… and the Constitution in the Sieve
اليوم في قبة البرلمان، النقاش ما كانش على دقيق الخبز، بل على دقيق الدستور.
بين حصانة تُرفع باسم القانون، وقضاء يتحرك باسم الحقيقة، المغرب شاهد على واحدة من أغرب الجلسات التشريعية في تاريخه الحديث.
المغرب يعيش منذ مدة على إيقاع مشاهد سياسية تُشبه الطواحين الهوائية :
صوتٌ مرتفع داخل البرلمان، غبارٌ في الإعلام، ونتيجة صفر في الميدان.
لكن جلسة اليوم الاثنين 3 نونبر كانت استثناءً… لأنها كشفت كيف يمكن للّغة المجازية أن تُحدث زلزالاً دستورياً حقيقياً.
القصة بدأت حين صرّح النائب أحمد التويزي، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة، بأن بعض شركات المطاحن “تطحن الورق مع الدقيق”.
العبارة وحدها كانت كافية لإشعال جدلٍ غذائيٍّ وقضائيٍّ وسياسيٍّ في آنٍ واحد .
فالنيابة العامة تحركت لفتح تحقيق، بينما تحرك البرلمان لحماية المتحدث باسم الدستور.
وهكذا، بدل أن نناقش من يعبث بجودة الدقيق، وجدنا أنفسنا نناقش من يملك الحق في قول الحقيقة.
الجلسة البرلمانية تحوّلت اليوم إلى درسٍ في فنّ تبادل الأدوار :
القضاء يطالب بالتحقق، والنواب يطالبون بالتحصين.
النتيجة؟
نائب تحت التحقيق، وبرلمان فوق المساءلة، وشعبٌ ما زال يشتري “الكيلو” بثمن الغشّ المدعوم.
كشفت مصادر إعلامية أن التويزي حاول لاحقاً توضيح مقصده قائلاً إن عبارة “طحن الورق” مجرد مجازٍ لغويٍّ يُشير إلى التلاعب في الفواتير والوثائق، لا خلط الورق بالدقيق حرفياً.
لكن النقاش تجاوز الكلمة إلى ما وراءها:
هل يحق للنائب أن يتحدث بحرية تامة حتى لو مسّت تصريحاته قطاعاتٍ حساسة؟
وهل الحصانة تعني الحماية من القانون أم الحماية للكلمة الحرة؟
أسئلة أكبر من الدقيق وأثقل من الورق .
لأنها تمسّ جوهر العلاقة بين السلط في المغرب، وحدود التماس بين البرلمان والقضاء.
الفصل 64 من الدستور الذي استُحضر اليوم، لم يُكتب لحماية “زلة لسان”، بل لحماية الحق في التعبير المسؤول.
لكننا أمام واقعٍ سياسيٍّ يجعل من الحصانة قميص نجاةٍ يُستعمل عند أول ارتباك لغوي، لا عند أول خطر سياسي.
المفارقة أن البرلمان الذي يُفترض أن يُراقب الحكومة صار بحاجةٍ إلى من يراقبه هو.
والقبة التي صُممت لرفع الصوت الشعبي صارت تُستعمل لتغطية الصمت الجماعي .
فحين تتحول مؤسسة التشريع إلى نادي تضامنٍ حزبيٍّ مغلق، يفقد الدستور معناه، وتتحول السلطة إلى مطحنةٍ بلا فرامل.
اليوم، حين تحدث التويزي عن الورق والدقيق، لم يكن يتحدث عن الغشّ فقط،
بل كشف دون أن يقصد كيف يُطحن الكلام نفسه في طاحونة السياسة المغربية .
الكلمة تُقال بحرارة، تُبرّر بسرعة، وتُنسى حين تهدأ الجلسة.
أما الحقيقة، فتبقى مطحونةً مثل كل شيء في هذا الوطن.
البرلمان الذي يدافع عن الحصانة أكثر مما يدافع عن الخبز، ينسى أن الدقيق لا يحتاج إلى حماية بقدر ما يحتاج إلى ثقة.
والثقة، حين تُطحن، لا تُعجن من جديد.
								