لقد قالها جلالة الملك بوضوح لا لبس فيه: المغرب يسير بسرعتين.
وها نحن نراها تتجسد، لا في مجالات التنمية فقط، بل حتى في بوابات الأداء على الطرق السيارة… حيث يُمنَح الامتياز لمن يملك بطاقة “جواز”، ويُترَك الباقي في طوابير بلا نهاية.
الشركة الوطنية للطرق السيارة قرّرت رفع ثمن بطاقة “جواز” إلى 80 درهما دون رصيد، بعدما كانت تُباع سابقًا بـ50 درهما مرفقة برصيد أولي.
خطوة فجائية ومرتبكة، جاءت في عز موسم العطلة والعودة المكثفة لمغاربة العالم، وكأن القرار لا يعبأ لا بتوقيت ولا بقدرة شرائية ولا بعدالة ولوج.
كشفت مصادر إعلامية أن هذه الزيادة تأتي في سياق تقليص عدد المستخدمين في شبابيك الأداء العادي، مقابل توسعة سريعة وممنهجة لبوابات “جواز”، مما حوّل هذا النظام من مشروع رقمي إلى خيار قسري، أقرب إلى الإكراه منه إلى التحديث.
صيف الاستغلال… حين تُفترس الطبقة المتوسطة باسم الرقمنة
الطبقة المتوسطة، التي لطالما كانت محرك الاستهلاك الوطني وقاطرة الاستقرار، تُواجه الآن موجة إنهاك جديدة: من غلاء المعيشة والوقود، إلى فوضى الأسعار في قطاع التنقل، ثم هذه الزيادة في بطاقة “جواز” دون سابق إنذار.
الأدهى أن المسؤول عن القطاع التزم الصمت، وكأن تحميل المواطن عبء الرقمنة لا يستحق توضيحًا أو مساءلة. صمتٌ يزيد من شعور المواطنين بأن هناك تواطؤًا غير معلن بين المؤسسات ومزودي الخدمة، لتكريس منطق السوق داخل المرافق العمومية.
قانونيًا… هناك خرق، ومجتمعيًا هناك احتقار
المحامي محمد ألمو أكد أن فرض الأداء المسبق يُفرغ العقد من مضمونه، ويحول علاقة المستهلك بالشركة إلى علاقة إذعان.
فحتى في خدمات الهاتف والكهرباء، حيث الدفع المسبق منتشر، يظل للمستهلك حق الاختيار. أما هنا، فـ”جواز” أُريد له أن يُصبح بوابة إجبارية لعبور الطريق.
رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، بوعزة الخراطي، وصف الزيادة بـ”الجشع الفاضح”، داعيًا إلى مقاطعة شاملة للبطاقة.
واعتبر أن استهداف مغاربة المهجر بهذه الخطوة، في ذروة عودتهم، يدل على استغلال ظرفي وقصر نظر استراتيجي.
أسئلة مُحرجة بلا أجوبة… إلى متى سيُترك المواطن وحده؟
كيف يُعقل أن ترفع شركة عمومية الأسعار دون تبرير اقتصادي معلن؟ ولماذا لا تُعفى مقاطع الطرق التي تشهد أشغالاً واختناقات مرورية؟ ثم ما مصير أولئك الذين لا يرغبون في البطاقة، هل يُعاقبون بالانتظار؟
إنه نموذج مصغر لمغرب يسير بسرعتين: مواطن يدفع ليُسهّل تنقله، وآخر يُترك ينتظر بلا اعتذار، ومسؤولون يُشرفون على التحول الرقمي من أبراجهم العاجية، لا من مواقف السيارات.