كان يُفترض أن يحمل برنامج “فرصة” نبضًا اجتماعيًا جديدًا في مغرب العهد الجديد، وأن يكون أداة إنصاف اقتصادي لشباب تقطّعت به السبل، فإذ به يتحوّل – شيئًا فشيئًا – إلى مرآة تُجسّد أعطاب النموذج التنموي أكثر مما تُعالجه.
ففي قلب المؤسسة التشريعية، فجّرت النائبة البرلمانية حنان فطراس، عن الفريق الاشتراكي، قنبلة سياسية في وجه الحكومة، عبر سؤال كتابي رسمي وجّهته إلى وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فاطمة الزهراء عمور، تطرقت فيه إلى ما وصفته بـ”الاختلالات البنيوية العميقة” التي تنخر البرنامج، محذّرة من تحوّل المبادرة من حلم ملكي إلى كابوس إداري يُهدد مصداقية الدولة أمام شبابها.
الرقم الصادم: فقط 45% من المسجلين على مستوى التراب الوطني توصلوا فعليًا بالدعم، بينما تُركت البقية – أكثر من 55% – في طوابير الانتظار، رغم استيفاء 78% منهم لكل الشروط. المفارقة أن نفس الجهات التي تُحدّثنا عن السرعة الرقمية والإدماج الاقتصادي، تعجز عن صرف دعم بسيط، لآلاف الشباب الذين راهنوا على فكرة، فوجدوا أنفسهم في مواجهة بيروقراطية مقيتة.
السؤال الكتابي الذي وضعته فطراس فوق مكتب الوزيرة، لم يكتفِ بالتشخيص، بل طالب بكشف تفاصيل دقيقة حول نسب الصرف حسب الجهات، المعايير المعتمدة في الانتقاء، وأسباب الجمود الإداري الذي طال ملفات عديدة بلا مبرر.
في مقابل هذا الفشل الصامت، لا تزال الحكومة تُروّج لـ”فرصة” كمنجز اجتماعي كبير، وكأن الخطاب السياسي لا يعترف بما يحصل في الميدان. لكن الأرقام لا تكذب، والواقع يكشف أن مناطق كاملة سجّلت نسب تأخير تتجاوز 70%، دون أي إجراء تصحيحي أو تقييم مستقل يُحاسِب الجهات المنفّذة.
السؤال الكتابي لم يغفل أيضًا شبهة الزبونية والمحسوبية التي بدأت تلوح في الأفق، وطرح بجرأة موضوع غياب الشفافية في تدبير هذا المشروع، داعيًا إلى نشر تقييمات مستقلة – إن وُجدت – مع إطلاق حوار استعجالي مع المتضررين وإشراك الجمعيات المختصة.
ما يجري اليوم ليس تأخراً عابراً، بل تجلٍّ لمنطق الدولة التي تُسوّق الحلم وتُفرّغ مضمونه تحت غبار الإدارة. فحين تُستثمر المبادرات الملكية كورقة سياسية، وتُقتل كرامة الشباب بصمت، فإن البرنامج لم يفشل فقط… بل تم تحويله إلى أداة لإنتاج الإحباط الجماعي.