Democracy Under Threat… When the Public Platform Turns into a Stage for Chaos
في المغرب، بعض السياسيين يبدؤون مسارهم بالصراخ تحت القبة… وينتهون بالصراخ في القاعة .
هكذا فعل أحمد التويزي، رئيس فريق حزب الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، ورئيس بلدية أيت أورير، حين قرّر أن يمدّد فوضاه من البرلمان إلى الميدان .
كشفت مصادر مدنية أن التويزي اقتحم مساء الأحد 2 نونبر ندوةً عمومية داخل مقر بلديته، لم يكن فيها لا مؤطرًا ولا منظّمًا، لكنه قرّر أن يكون البطل الرئيسي في مشهدٍ عبثيٍّ يليق بمسرح السياسة الرديئة .
دخل ومعه مجموعة من الأنصار ببنيةٍ عضليةٍ محترمة ، ورفع شعار “الصراخ أولاً، الحوار لاحقًا”.
المنصة تحوّلت إلى حلبة، والكلمات إلى شتائم، والندوة إلى تمرين عملي في الفوضى السياسية .
الغريب أنّ الرجل نفسه كان قبل أيام يهاجم الجمعيات في البرلمان، ويتحدث عن “الريع الجمعوي”، وها هو اليوم يمنح المواطنين عرضًا حيًّا في “الريع السلوكي”، حيث تتحوّل السلطة إلى مزاجٍ وصوتٍ مرتفع .
وقال محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، في تدوينةٍ على حسابه بموقع فيسبوك، إنّ ما وقع مساء الأحد ببلدية أيت أورير كان حادثًا خطيرًا ومخجلاً بكل المقاييس ، بعد أن قاد رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب ورئيس البلدية، أحمد التويزي، مجموعةً من أنصاره لنسف ندوةٍ عمومية داخل مقر الجماعة التي يترأسها منذ سنوات.
وأوضح الغلوسي أنّ التويزي “انتقل من الصراخ والتهديد داخل البرلمان إلى تنفيذ مهامه في الميدان”، مضيفًا أنه اقتحم المنصة رفقة أشخاصٍ “ببنية جسمانية قوية” في حالةٍ من “الهيجان والهستيريا”، واستعمل خطابًا عنصريًا تضمن عباراتٍ مهينة مثل “انت جيتي من دمنات” و“انت محامي فاشل”.
وأضاف الغلوسي أنه شعر بخطرٍ حقيقي على سلامته الجسدية، واضطرّ إلى الاتصال مرتين بوكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بمراكش “دون جدوى”، بعد أن بدا أنّ بعض الحاضرين مستعدون لممارسة العنف .
وقال بالحرف: “أشخاص طوّقوني حماية لي وخوفًا علي من أي مكروه، وهم يرددون: سي الغلوسي، ماتخافش، حنا معك وبجانبك، انت شرف لنا.”
وتابع الغلوسي أنّ المشهد الذي تزعم فيه التويزي عملية اقتحام المنصة قدّم “صورةً سيئة عن البرلمان والحزب والسياسة في المغرب”، معتبراً أنّ “الفساد تغوّل على الدولة والمجتمع، وأصبح بعض المنتخبين يتصرفون وكأنّ الجماعات والمؤسسات ملكٌ خاص لهم.”
كلام الغلوسي ليس مجرد تدوينة انفعالية، بل صرخة سياسية بلسان مدني ، فيها خوف واحتجاج ورسالة ضمنية للدولة:
“الفساد ما بقى كيتخبّى فالمكاتب… راه خرج للشارع، وولا يهاجم من ينتقده.”
اختار لغة درامية مقصودة، باش يوصل أن مناخ العنف الرمزي والسياسي وصل لمستوى يهدد حرية التعبير .
لكن في العمق، ما وقع في أيت أورير أكبر من مشادّة: هو نموذج مصغّر لطريقة تدبير الشأن المحلي حين تتحوّل الجماعة إلى إقطاعية، والمنتخب إلى مالكٍ فعليٍّ لمفاتيحها .
في بلدٍ يُفترض أن يعيش مرحلة “الجهوية المتقدمة”، ما زال بعض الرؤساء يتعاملون مع البلديات كـ”ملكيات مصغّرة”، فيها الموظف تابع، والمواطن متطفّل، والناقد خصم يجب إسكاتُه .
ولذلك، حادثة التويزي ليست استثناءً، بل عرض جانبي لمرضٍ سياسيٍّ مزمن: غياب المحاسبة، تغوّل النفوذ، واستعمال السلطة كسلاحٍ ضد الرأي المخالف .
السياسة في المغرب لا تحتاج فقط إلى قوانينٍ جديدة، بل إلى أخلاقٍ جديدة .
وحين يصبح الصراخ هو أداة الإقناع، فالمشهد يستحق فعلًا عنوانه:
الديمقراطية تحت التهديد… حين يتحول المنبر العمومي إلى ساحةٍ للصراخ.
