رغم حرص الحكومة على تكرار سردية “التحسن الملموس” في المؤشرات الاقتصادية، فإن قاعة البرلمان ما تزال مسرحاً لعودة ملف القدرة الشرائية، كلما حاولت الأرقام الرسمية فرض نفسها كدليل على نجاح السياسات العمومية. سؤال كتابي من نائب عن الفريق الحركي، حول تراجع ثقة الأسر المغربية أمام تمدد الأسعار وصعوبة تغطية النفقات الأساسية، كان كفيلاً بإعادة الجدل إلى صلبه، حيث تتواجه لغة الجداول مع نبض الشارع.
وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، قدّمت عرضاً مُحكماً بالأرقام، تحدثت فيه عن “جهود ميزانياتية غير مسبوقة” بلغت 88 مليار درهم للبرامج الاجتماعية بين 2022 و2024، مع الحفاظ على دعم أسعار غاز البوتان والسكر والدقيق، وتمويل خطط مواجهة الجفاف، وإعفاء المتقاعدين من الضريبة على الدخل، وإطلاق برامج للسكن والتشغيل، بينها ضخ 15 مليار درهم في خارطة الطريق الجديدة للتشغيل. كما ذكرت أن مؤشر ثقة الأسر ارتفع إلى 46,6 نقطة في الفصل الأول من 2025، وأن التضخم تراجع إلى 0,4% في ماي، والبطالة انخفضت من 13,7% إلى 13,3% بفعل خلق 350 ألف منصب شغل، خاصة في الخدمات والصناعة.
لكن، وسط هذا الزخم الرقمي، يظل السؤال معلقاً: هل يكفي هذا التحسن الطفيف لإقناع الأسر التي ترى في جيوبها ومصاريفها حقيقة مغايرة لما يُعلن؟ المعارضة لا تتردد في الإشارة إلى أن الفجوة بين ما ترفعه الحكومة من مؤشرات وما يعيشه المواطن من ضغوط، تكشف عن خلل في انتقال الأثر من قاعة البرلمان إلى موائد الأسر. وهي فجوة تجعل “الدولة الاجتماعية” في نظر كثيرين، مفهوماً مُعلّقاً بين الطموح السياسي والاستثمار الاتصالي، أكثر من كونه واقعاً ملموساً.
ومع اقتراب مناقشات مشروع قانون مالية 2026، يبدو أن القدرة الشرائية لن تكون مجرد بند في المداولات، بل امتحان حقيقي لمدى انسجام السياسات الاقتصادية مع الواقع الاجتماعي. امتحان، إن لم تنجح الحكومة في تجاوزه، فقد تجد نفسها أمام مؤشرات متينة على الورق، لكنها عاجزة عن إحياء ثقة أسر أنهكها
الغلاء، حتى وإن هبط التضخم إلى الصفر.