في عز حرارة الصيف، لا يقتصر العطش على الدواوير والقرى التي تنتظر قطرة ماء، بل يمتد إلى خزائن المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، حيث يفتح مزاد جديد للصفقات وكأننا أمام موسم حصاد خاص.
فبعد اقتناء أثاث فخم بملايين الدراهم، ها هو المكتب يمدّد اليد مرة أخرى نحو ميزانية المواطنين، وهذه المرة بـ360 مليون سنتيم تحت عنوان “التواصل المؤسساتي”.
كشفت مصادر إعلامية أن الصفقة الأخيرة تتعلق بإنتاج محتوى سمعي بصري بأربع لغات، خطط للتواصل في الأزمات، وحملات تحسيسية رقمية وإذاعية.
غير أن السؤال المعلّق على لسان المواطن البسيط: هل يحتاج بيت عطشان إلى ملصقات وإعلانات؟ أم يحتاج إلى استثمار في قنوات الماء التي تصدّأت بفعل الإهمال؟
تبدو المفارقة فاضحة: مؤسسة عمومية تحتكر أهم شريان للحياة في البلاد، تنفق ملايين الدراهم في تحسين صورتها بدل تحسين خدماتها. وكأننا أمام مشهد من مسرح العبث: المواطن ينتظر (روبيني) لا ينقطع، بينما المسؤول يشتري كاميرات عالية الدقة وحملات دعائية باذخة، ليروي بها عطش صورته لا عطش الشعب.
هذه الدينامية تكشف مرة أخرى الوجه العميق لمغرب يسير بسرعتين: سرعة فاخرة للصفقات والميزانيات، وسرعة متقطعة لخدمة الماء والكهرباء.
بين الأثاث الفاخر وحملات التواصل، يتبدد مال دافعي الضرائب بلا حسيب ولا رقيب، في وقت يطالب فيه الناس بأبسط مقومات العيش الكريم.
من جهتها، تبرّر الوكالة أن التواصل أضحى ضرورة لمواكبة المشاريع الكبرى والتحسيس بندرة المياه. غير أن هذا التبرير يظل مثل رشّة عطر على جسد مبلل بالعرق: يخفي الرائحة لحظة، لكنه لا يغيّر الجوهر. المواطن يريد ماءً في الصنبور لا “هاشتاغ” على تويتر، يريد سدودًا تبنى لا أفلامًا تسوّق.
وفي النهاية، تبقى الحقيقة مُرة: حين يتحوّل التواصل إلى بديل عن الخدمة، يصبح المال العام وقودًا لآلة دعائية بدل أن يكون استثمارًا في البنية التحتية. تلك هي المفارقة التي تحيّر حتى المثقف المتأنّي في لغتها، وتُغضب المواطن البسيط في بساطتها.