في حوار بُثّ على القناتين العموميتين، حاول رئيس الحكومة عزيز أخنوش أن يعرض صورة حكومة متماسكة، ماضية في تنزيل الأوراش الكبرى، ومصمّمة على أن تكون “حكومة الفعل والعمل”.
غير أن من تابع الخطاب بتمعّن، سرعان ما أدرك أن ما قُدِّم لم يكن سوى خطاب انتخابي سابق لأوانه، مغلّف بلغة الإنجاز، ومشحون برسائل سياسية تتجاوز الحصيلة إلى رسم ملامح معركة 2026.
فقد ركز أخنوش على ملفات الماء، الصحة، التعليم، والحماية الاجتماعية، باعتبارها أولويات المرحلة، وأشار إلى أن حكومته أعادت الروح لمشاريع كانت متعثرة لعقد كامل، خصوصاً في ما يتعلق بمحطات تحلية مياه البحر.
محطة الدار البيضاء، التي طالها التأجيل لعشر سنوات، قُدمت اليوم كعنوان “فشل الحكومات السابقة” مقابل “سرعة حكومة أخنوش”، لكن خلف هذا التوصيف، يظل التناقض صارخاً: المواطن الذي يعاني من العطش في قرية نائية لا يكفيه وعد بمحطة ستفتح أبوابها في نهاية 2026، فالمشكل ليس في هندسة الخطاب، بل في غياب الأثر الفوري على حياة الناس، وبهذا المعنى تتحول “الأوراش الكبرى” إلى مجرد أفق مؤجل، بينما المواطن يواجه الغلاء وفواتير الماء والكهرباء في الحاضر.
أما الفقرة الأكثر حساسية في خطاب أخنوش فكانت إشادته بتكليف جلالة الملك لوزارة الداخلية بالإشراف على الانتخابات التشريعية المقبلة، حيث بدا مرتاحاً لهذا القرار، بل وأكد أن التجربة السابقة أثبتت أن إشراف رئيس الحكومة على الانتخابات أمر معقّد لأنه طرف سياسي في المنافسة، وهو ما يكشف عن مفارقة بنيوية: دستورياً، رئيس الحكومة هو المسؤول الأول عن السياسة العمومية، ومن ثَمّ عن تنظيم الانتخابات، لكن عملياً عادت وزارة الداخلية لتكون الحكم والضامن، وهنا يطرح السؤال: هل الأمر يتعلق بضمان حياد العملية الانتخابية، أم باستمرار تقليد قديم يجعل الانتخابات خارج نطاق السلطة التنفيذية المنتخبة؟ والجواب لا يحتاج إلى كثير تأويل: الحياد في المغرب مؤمّن من فوق، لا من داخل اللعبة السياسية.
أخنوش أيضاً لم يفوّت الفرصة لتكرار أن أغلبيته الحكومية “متماسكة”، لكنه أضاف جملة كاشفة: لكل حزب الحرية في التعبير السياسي، وهذه الإشارة تكشف عن هاجس داخلي أكثر مما تكشف عن واقع الانسجام، فالأحزاب الثلاثة المكونة للأغلبية ليست على قلب رجل واحد، بل كل حزب يحاول رسم خطابه استعداداً للاستحقاقات المقبلة، بينما التماسك الحقيقي يُقاس بقدرة الحكومة على خفض الأسعار وتحسين التعليم العمومي وإنقاذ المستشفى العمومي، أما الشعارات عن “الانسجام” فهي لا تُطعم المواطن ولا تعالج إحباطه اليومي.
ومن يتأمل الخطاب يدرك أنه قائم على تقنية واضحة: إحالة كل إنجاز إلى المستقبل، الماء في 2026، الصحة بعد سنوات، التعليم في إطار برامج طويلة، والفلاحة في أفق الجيل الأخضر، لكن ما الذي تغيّر اليوم؟ المواطن الذي تابع الحوار على شاشته وجد نفسه أمام لوحة جميلة من الوعود، لكن جيبه ظل فارغاً، وقفته في السوق غارقة في الغلاء، وانتظاره لموعد عند الطبيب مستمر، إن لغة المستقبل قد تُقنع المستثمرين لكنها لا تقنع رب أسرة يبحث عن حليب لطفله.
لذلك يمكن القول إن خرجة أخنوش لم تكن مجرد “حصيلة إعلامية”، بل كانت تدشيناً صريحاً لمرحلة حملة انتخابية مقنّعة، كل المفردات محسوبة: تحميل المسؤولية للسابِقين، إبراز صورة الحكومة المنقذة، ترديد شعار الانسجام، الإشادة بالحياد الانتخابي، لكن خلف هذه الكلمات يبقى السؤال الحارق: ماذا تغيّر فعلياً في حياة المواطن المغربي منذ 2021؟ فإن كان الماء مؤجلاً إلى 2026، والانتخابات مؤمّنة بالداخلية، والأوراش الاجتماعية ممتدة لسنوات، فإن المواطن يجد نفسه عالقاً بين وعود معلّقة وحاضر مثقل بالأعباء.