كشفت مصادر إعلامية أن إدارة الصندوق المغربي للتقاعد لا تتحدث إلا بلغة الاستثناء: ثلاث حالات فقط من الإعفاء من مناصب المسؤولية خلال السنوات الأخيرة، أي ما يعادل 3,5% من أصل 85 منصباً.
أرقام دقيقة نقلتها وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح، في جوابها عن سؤال كتابي تقدّم به النائب البرلماني عن الفريق الحركي، محمد والزين، لتؤكد أن القرارات تُتخذ حصرياً وفق “معايير مهنية صرفة”.
لكن خلف هذه الصياغة المطمئنة، يطرح سؤال لا يقل خطورة: من يراقب هذه المعايير؟ ومن يحاسب المحاسِب؟ وهل يمكن اختزال المحاسبة في نسب مئوية تقرأها الوزيرة أمام البرلمان وكأنها بيان نجاح مدرسي؟
الصندوق يفاخر بأنه أسند أكثر من 30 منصباً لمسؤولين داخليين مقابل 5 فقط لكفاءات وافدة من الخارج، في إشارة إلى سياسة “التحفيز والاعتراف بالكفاءات”.
غير أن هذه السياسة قد تتحول عملياً إلى إعادة تدوير نفس الأسماء، بنفس العقليات، تحت عناوين جديدة. أما الحديث عن بلوغ نسبة 35% من النساء في مواقع المسؤولية، فرغم أهميته الرمزية، يبقى رهيناً بمدى قدرة هذه الكفاءات على صناعة القرار لا مجرد ملء خانة إحصائية.
وتتحدث الإدارة أيضاً عن استراتيجيات متكاملة لتحسين جودة الحياة المهنية، وتنمية الرأسمال البشري، وإطلاق مشاريع هيكلية. عبارات لامعة، لكنها لا تمحو المفارقة: المواطن البسيط ما زال يواجه بيروقراطية متعبة، وخدمات متعثرة، ومساطر تستهلك أعصابه قبل جيبه.
الأخطر أن الصندوق يفاخر بآلية “التعاقد الداخلي” لربط المسؤولية بالمحاسبة. لكن إذا كانت المحاسبة محصورة داخل جدران المؤسسة، فأين مكان البرلمان، أين مجلس الحسابات، وأين الرأي العام من هذا “العقد” المغلق؟
الشفافية ليست أرقاماً ولا نسباً، بل وضوحاً في النتائج. والمتقاعد الذي ينتظر معاشه آخر كل شهر، لا تعنيه لغة “التقييم الدوري” ولا “الذكاء الجماعي”، بقدر ما يهمه أن يجد خدمة سريعة، واضحة، وإنسانية. أما الأرقام البراقة، فهي تظل في النهاية مجرد مرآة مصقولة تخفي عيوباً يعرفها المرتفقون أكثر مما تعترف بها التقارير الرسمية.
وفي المحصلة، يبدو أن الصندوق المغربي للتقاعد قد أتقن فن الحساب، لكنه ما زال بعيداً عن فن المحاسبة.