كشفت مصادر إعلامية أن مجلس إدارة صندوق «أوبك» للتنمية الدولية صادق على تمويل جديد يتجاوز مليار درهم، مخصص لدعم المرحلة الثانية من برنامج «تعزيز الحوكمة الاقتصادية والمرونة في مواجهة التغير المناخي».
غير أن هذا التمويل، الذي يُقدَّم في الخطاب الرسمي كرافعة للاستدامة، يعيد إلى الواجهة السؤال الجوهري: هل تُبنى الاستدامة عبر مزيد من الديون، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون ترحيلًا للأعباء نحو الأجيال المقبلة؟
الأرقام تكشف صورة مقلقة: الدين العمومي يتجه إلى 79.2% من الناتج الداخلي الخام، أي ما يعادل 130 مليار دولار. الحكومة بدورها تتوقع اقتراض 12.5 مليار دولار إضافية خلال سنة 2025، موزعة بين الداخل والخارج، في وقت أُبرم فيه خط ائتماني مرن مع صندوق النقد الدولي بقيمة 4.5 مليار دولار.
بهذا المنطق، تغدو المالية العمومية رهينة مسار متصاعد من المديونية، حيث تتضخم الأرقام بينما يتآكل هامش القرار السيادي.
الاقتراض، في أصله، يفترض أن يكون أداة لتعبئة الاستثمار وتحريك عجلة النمو.
لكنه في الحالة المغربية يميل إلى تغطية العجز البنيوي وتمويل نفقات جارية، وهو ما يحوّل الدين إلى عبء ثقيل يلتهم موارد الميزانية ويقيد إمكانيات الدولة في الاستثمار الاجتماعي والتنموي.
الأخطر أن خدمة الدين نفسها باتت تستنزف الموازنة بوتيرة متسارعة، مما يجعل أي إنجاز مهدداً بالتآكل أمام كلفة الفوائد المستحقة.
كما أن الارتباط المفرط بالأسواق الدولية يضع المغرب في مواجهة مباشرة مع تقلبات أسعار الفائدة وسعر الصرف.
أي تغير طفيف في هذه المعادلات كفيل برفع كلفة الدين الخارجي وإغراق المالية العمومية في دوامة يصعب الخروج منها.
بهذا المعنى، يصبح الحديث عن “المرونة” واجهة لغوية تُخفي هشاشة عميقة، ويصبح خطاب “الاستدامة” مهدداً بالتحول إلى مجرد شعار يبرر مزيداً من المديونية.
إن السؤال الحاسم الذي يواجه النخبة اليوم لا يتعلق بجدوى القروض في حد ذاتها، بل بوجهتها: هل تُستثمر في مشاريع إنتاجية تولّد العملة الصعبة وتخلق قيمة مضافة حقيقية، أم تُهدر في تمويل عجز متكرر يفاقم الهشاشة؟ وهل نحن بصدد بناء اقتصاد سيادي قادر على المنافسة، أم بصدد إعادة إنتاج نموذج يقوم على الديون كبديل عن الإصلاحات الهيكلية؟
إن استمرار الارتهان للديون دون مردودية إنتاجية ليس مجرد خيار اقتصادي، بل رهان سياسي وأخلاقي على مستقبل الأجيال القادمة.