في الوقت الذي يرفع فيه رئيس الحكومة ومعه قيادات التجمع الوطني للأحرار شعارات الانتصار في ورش الحماية الاجتماعية، جاءت معطيات برلمانية لتسحب البساط من تحت خطابات التباهي، وتكشف أن ما تحقق على الأرض لا يرقى إلى ما وُصف بـ”مشروع القرن”.
بل إن الأرقام الصادرة عن النائب البرلماني مصطفى إبراهيمي بدت كصفعة سياسية، تُعرّي واقعاً بعيداً عن الأجندة الملكية التي أرادت لهذا الورش أن يكون رافعة للعدالة الاجتماعية.
المعطيات تكشف أن 8.5 ملايين مواطن ما زالوا خارج التغطية الصحية، وأن 650 ألف طالب محرومون من التأمين، فيما ظلّ 1.5 مليون طفل بعيدين عن التعويضات العائلية التي كان يفترض أن تشمل سبعة ملايين.
أما نظام الأداء المباشر، فغارق في عجز مزمن ولا يغطي سوى 4400 مستفيد، ما يجعل “التعميم” أقرب إلى فخ لغوي من كونه إصلاحاً اجتماعياً.
الأخطر أن الحكومة ركّزت على تحصيل الاشتراكات أكثر مما ركّزت على بناء منظومة صحية عمومية قوية.
فالمواطن يدفع واجب الانخراط، ثم يجد نفسه مضطراً لشراء حقه في العلاج عند بوابة المصحات الخاصة. إصلاحات التمويل لم ترَ النور، والدعم العمومي لم يُعاد توجيهه بما يكفي لإنعاش المستشفيات العمومية التي تئن تحت ضغط متصاعد.
أما المؤشر الاجتماعي “9.326” الذي تبنته الحكومة لتحديد الفئات المستهدفة، فقد تحوّل إلى أداة إقصاء بدل أن يكون آلية إنصاف، حيث أخرج ملايين المواطنين من دائرة الاستفادة، في تناقض واضح مع التوجيهات الملكية التي وضعت شعار “التعميم بلا استثناء” كخط أحمر.
السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل تملك الحكومة الجرأة لتصحيح المسار وتنويع مصادر التمويل وترشيد الإنفاق، أم أن ورش الحماية الاجتماعية سيظل مجرد “فقاعة انتخابية” يُسوَّق بها في الخطابات إلى حين نهاية الولاية، تاركاً وراءه ملايين المغاربة في مواجهة فراغٍ اسمه “الحماية الاجتماعية”؟