تضع دراسة حديثة صادرة عن المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة صورة دقيقة لكنها مثيرة للقلق عن مستقبل سوق الشغل المغربي.
فمعدل البطالة، الذي يبدو مستقراً عند 12.8%، يخفي فجوات أعمق تصل إلى 37% بين الشباب و20% لدى النساء، بينما يرزح 1.25 مليون شخص تحت ما يُعرف بـ”نقص الشغل” أو البطالة المقنعة.
هذه المؤشرات لا تكشف خللاً ظرفياً فحسب، بل تعكس نموذجاً اقتصادياً لم ينجح في إدماج الطاقات وخلق فرص عمل لائقة ومستدامة.
قصة نجاح صناعة السيارات، التي جعلت المغرب أكبر ممون للاتحاد الأوروبي، تبقى رهينة الخارج، إذ إن أكثر من 80% من الصادرات موجهة إلى فرنسا وإسبانيا.
هذا الاعتماد المفرط يجعل القطاع عرضة لسياسات إعادة التصنيع الأوروبية والتحول نحو السيارات الكهربائية وضريبة الكربون الجديدة، في ظل غياب رؤية حكومية متماسكة لتأمين موقع المغرب في سلاسل القيمة العالمية.
أما قطاع الخدمات، فرهانه الأساسي يبقى مراكز الاتصال والسياحة، غير أن الأول مهدد بالقوانين الفرنسية الجديدة، والثاني يعيش على زخم ظرفي مرتبط بكأس العالم 2030، الذي قد يوفر مئات آلاف الوظائف المؤقتة دون ضمانات لاستدامتها.
المعضلة الأعمق تبرز في غياب سياسة عمومية استباقية لمواجهة التحولات التكنولوجية، خصوصاً الذكاء الاصطناعي الذي لم يعد مجرد أداة تقنية بل قوة تعيد تشكيل الاقتصاد وسوق الشغل.
فهو يهدد بانقراض الوظائف الروتينية والإدارية، ويخلق في المقابل طلباً متزايداً على مهارات جديدة في الإبداع والتفكير النقدي والتقنيات الرقمية.
الفجوة بين ما يتطلبه السوق وما توفره منظومة التعليم والتكوين في المغرب آخذة في الاتساع، ما قد يقود إلى “تسونامي مهاراتي” بأبعاد اجتماعية واقتصادية خطيرة.
رهان الحكومة على الأوراش الكبرى والمناسبات الدولية قد يمنح جرعة تفاؤل آنية، لكنه يظل بعيداً عن معالجة الإشكالات البنيوية لسوق الشغل.
ومع اقتراب موعد 2030، يصبح السؤال الجوهري أكثر إلحاحاً: ماذا بعد انتهاء الاحتفال؟ غياب رؤية واضحة لما بعد المونديال والاكتفاء بتسيير اللحظة قد يحوّل وهم التشغيل إلى صدمة بطالة، ويفرض على المغرب كلفة اجتماعية باهظة كان بالإمكان تفاديها عبر التخطيط الجريء والاستثمار في المستقبل.
