بقلم: نعيم بوسلهام
“الظلم مؤذن بخراب العمران”، مقولة خلدها ابن خلدون قبل قرون، لكنها اليوم تبدو وكأنها كتبت لتصف واقع المغرب.
فما جرى يوم السبت 27 شتنبر من احتجاجات شبابية في مدن عدة ليس حدثاً عابراً، بل ناقوس خطر يدق بعنف، يذكر بأن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لم تعد قابلة للتأجيل أو التسويف.
صرخة جيل مسحوق
خرج المئات من الشباب إلى الشوارع، يهتفون ضد البطالة والفقر وغلاء المعيشة، ضد انسداد الأفق وغياب العدالة الاجتماعية.
هؤلاء ليسوا مدفوعين بأجندات خارجية كما قد يحلو للبعض أن يصور، بل بدافع الإحباط اليومي، والخيبات المتراكمة، وانعدام الثقة في السياسات العمومية التي لم تعد تلبي طموحاتهم ولا تحترم كرامتهم.
المساجد تحت الحصار
اللافت أن هذه الاحتجاجات تزامنت مع تضييق شديد على المساجد والخطباء. فقد منعت وزارة الأوقاف الكثير من الأئمة من التطرق لمعاناة الفلسطينيين أو الدعاء لهم بالنصر، بل تم تطويق دور العبادة لتبقى مجرد فضاءات للطقوس الشكلية، بعيدة عن هموم الناس الكبرى.
وهنا يظهر الخلل بوضوح: الدولة تحاصر المنابر، وتفرغها من رسالتها، بينما الشارع يغلي بحثاً عن صوت صادق يعبر عن آلامه.
اقتصاد الريع وتزاوج السلطة بالمال
الأزمة ليست فقط في الخطاب، بل في جوهر السياسات. فكيف يمكن لشباب عاطل أن يثق في حكومة يقودها رجل أعمال يملك محطات وقود متهمة بعدم احترام قانون الشغل واستغلال العمال؟ وكيف يمكن أن يُصدّق وعود الإصلاح في ظل اقتصاد ريعي تتحكم فيه قلة قليلة، فيما الأغلبية تُدفع إلى الهامش واليأس؟
العودة إلى روح ابن خلدون
ابن خلدون لم يكن يتحدث عن الظلم كخطيئة أخلاقية فقط، بل كعامل بنيوي يؤدي إلى انهيار الدول. عندما يُهمّش الشباب، وتُكمم أفواه العلماء والخطباء، وتُستغل الثروات لخدمة أقلية على حساب الأغلبية، فإن العمران أي الدولة والمجتمع يصبح على حافة الخراب. الاحتجاجات إذن ليست تهديداً للدولة، بل إنذاراً مبكراً لإنقاذها من نفسها.
الرسالة إلى صناع القرار
على السلطات المغربية أن تدرك أن الاحتجاجات الشبابية ليست مجرد “شغب” أو “انحراف”، بل تعبير صادق عن أزمة حقيقية.
الحل لا يكون بالهراوات أو البلاغات الجوفاء، بل بإصلاحات جذرية: عدالة اجتماعية، توزيع منصف للثروات، تحرير المنابر من الوصاية، وإعادة الثقة إلى الشباب عبر مشاريع تنموية واقتصادية تفتح أمامهم الأفق بدل أن تسدّه.
