تتوالى الأسئلة الثقيلة داخل المشهد الصحي المغربي، بعدما أعلن وزير الصحة قراره وقف الإعانات الموجّهة للمصحات الخاصة.
تصريحٌ بدا في ظاهره منسجماً مع الخطاب الإصلاحي، لكنه سرعان ما تحوّل إلى لغزٍ مالي جديد حين خرجت المصحات لتنفي الرواية من أصلها.
شركات استشفائية خاصة أكدت لموقع Rue20 أنها لم تتلقَّ أي دعمٍ مالي من وزارة الصحة، وأن حساباتها “واضحة وقابلة لأي افتحاص رسمي”.
أحد المتحدثين قال بوضوح: “لم نتسلم درهماً واحداً من المال العمومي، وإن كانت هناك مؤسسات استفادت، فليُعلن الوزير أسماءها.”
هذا التناقض بين ما يقوله الوزير وما ينفيه المهنيون يفتح الباب على سؤالٍ أكثر عمقاً:
أين ذهبت المليارات التي خُصصت لدعم الاستثمار الصحي؟
ومن هي الجهة التي استفادت فعلاً من تلك التحويلات المالية العمومية؟
القطاع الصحي في المغرب يلتهم ميزانيات ضخمة كل سنة، لكن أثرها على الخدمات الصحية يكاد يكون معدوماً.
المستشفيات العمومية تترنّح تحت وطأة الخصاص، والمواطن يُجبر على دفع شيكات ضمان قبل العلاج، والمصحات الخاصة تُضاعف الأسعار دون رادع.
وسط هذا المشهد المأزوم، يصبح الحديث عن “دعمٍ موقوف” نوعاً من الترف السياسي أكثر منه سياسة إصلاحية.
المسؤولية الآن لم تعد تقنية أو قطاعية، بل مالية بامتياز. فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، يوجد أمام امتحان الأرقام الصامتة:
هل تمّ فعلاً صرف هذه الإعانات؟
وإن صُرفت، لمن ذهبت؟
وإن لم تُصرف، فأين استُعملت الاعتمادات المخصصة لها في قانون المالية؟
الشفافية في تدبير المال العام ليست ترفاً مؤسساتياً، بل ركيزة في العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن.
وإذا كانت الحكومة قد رصدت مبالغ لدعم القطاع الصحي، فمن واجبها أن تنشر اللائحة الكاملة للمستفيدين، بالأسماء والمبالغ وأصحاب تلك المصحات.
فالمغاربة لا يطالبون بشيءٍ أكثر من الحق في المعلومة، والحق في أن يعرفوا إلى أين تذهب أموالهم.
أما الصمت، فيبقى أقصر طريقٍ نحو شهادة وفاةٍ جديدة لحكامة الميزانية،
حيث تختفي المليارات… وتبقى المحاسبة مجرّد شعارٍ جميل على الورق.
