ليست كل الثروات تُصنع بالجهد، ولا كل الامتيازات تُمنح بالكفاءة.
بعضها يُورّث كما تُورّث الألقاب، وبعضها يُكتَب في السجلات قبل أن يُكتَب في التاريخ.
هكذا ولدت الحكاية الجديدة التي أعادت اسم فاطمة الزهراء المنصوري إلى واجهة الأسئلة، لا باعتبارها وزيرةً في حكومةٍ “ليبرالية المظهر، تقشفية الجوهر”، بل كرمزٍ لصعود جيلٍ من المسؤولين الذين ورثوا الثروة قبل أن يرثوا الدولة.
الجدل حول “ثروة بنت الصالحين” لم يكن في الأصل سؤالاً عن المال، بل عن المعنى.
كيف يمكن لمسؤولٍ في زمن الأزمة أن يُقنع الناس بأن البركة ما زالت في العمل لا في النسب؟
وكيف تتحول عبارة “أنا وارثة” من تبريرٍ مشروع إلى شهادة سياسية على اتساع الهوّة بين السلطة والمجتمع؟
كشفت مصادر إعلامية أن ثروة الوزيرة تُقدّر بحوالي 44 مليار سنتيم، وأن اسمها ارتبط بمعاملاتٍ عقارية وامتيازاتٍ تجارية ضخمة.
ورغم أن الوزيرة صرّحت بأنها وارثةٌ لعقاراتٍ وأملاكٍ عائلية، فإنّ الصمت الذي تلا التصريح كان أعلى من التوضيح نفسه.
في بلدٍ يطالب مواطنيه بالتقشف، يصبح الصمت عن الثروة لغةً رسميةً للترف.
يتحدث المواطن البسيط عن “غلاء الأسعار”، بينما تتحدث السلطة عن “عقلنة النفقات”.
لكن بين الجملتين فجوة من ذهب.
ففي كل مرة يُطلّ فيها خطاب التقشف، تخرج من الظلال قصةٌ جديدة عن امتيازٍ قديم، كأنّ البركة في المغرب أعيد تعريفها لتُقاس بالموقع لا بالنية، وبالرصيد لا بالرضا.
المنصوري، التي تُمثل الجناح المدني في حكومة المال والأعمال، أصبحت دون أن تدري مرآةً لصراعٍ رمزي بين “الإرث المشروع” و“الامتياز الموروث”.
فحين يجلس الناس أمام نشرات الأخبار ليُقال لهم إن البلد يعيش أزمة، ثم يقرأون عن ثرواتٍ بملايين الدراهم دون أي افتحاص أو مساءلة، يفقد الخطاب الحكومي صدقيته الأخلاقية قبل أن يفقد وزنه السياسي.
إنّ السؤال اليوم لم يعد عن مصدر الثروة، بل عن معنى الشفافية في بلدٍ يعرف كل شيء ولا يشرح شيئًا.
من يملك أن يُفصح عن أمواله، يملك أن يُفصح عن نفسه.
ومن يختبئ وراء الإرث، يُعلن ضمنيًا أن المحاسبة ليست للجميع.
في النهاية، تبقى “بنت الصالحين” عنوانًا رمزيًا لمرحلةٍ مغربيةٍ جديدة، حيث الإرث أصبح رأسمالًا سياسيًا، والبركة امتيازًا إداريًا، والشفافية فضيلةً مؤجلة.
البلاد لا تحتاج إلى مزيدٍ من الورثة… بل إلى ورثةٍ للثقة.
فالثروة، مهما كانت شرعية، تفقد معناها حين تغيب عنها البركة التي لا تُشترى.
 
								

