في خريف سنة 2022، وأثناء الجدل البرلماني حول امتحان ولوج مهنة المحاماة، فاجأ وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي الرأي العام بعبارةٍ خرجت منه بعفويةٍ كاملة، لكنها ستبقى، على الأرجح، واحدة من أكثر الجمل تداولاً في الذاكرة السياسية الحديثة:
“ولدي عندو جوج الإجازات، وقرا فمونتريال، باه لباس عليه وخلص عليه وقراه فالخارج.”
لم يكن الوزير يومها يقدّم برنامجاً حكومياً، بل كان يبرّر وضعاً شخصياً.
غير أن الجملة سرعان ما تجاوزت حدود اللحظة، لتتحوّل إلى نصّ رمزيّ يختصر فلسفة مجتمعٍ بأكمله.
جملةٌ وُلدت في قاعة البرلمان، لكنها عبرت الحدود، وعاشت في ذاكرة الناس أكثر مما عاشتها القوانين التي يصدرها البرلمان نفسه.
عبارة “باه لباس عليه” لم تكن مجرد تبرير أبوي؛ كانت اعترافاً طبقياً بلا قصد، ورسالةً مشفّرة عن واقعٍ يعرفه كل المغاربة:
في هذا البلد، لا تكفي الكفاءة لتصعد، بل يجب أن تملك السلم أيضاً.
المال هو السلم، والعلاقات هي الحبل، والباقي مجرد شعاراتٍ عن تكافؤ الفرص تُكتب في المقررات الرسمية.
حينها، أثارت الجملة غضباً واسعاً، لأن وهبي لم يكن يتحدث من مقهى شعبي، بل من موقع وزير العدل، أي من المفترض أن يكون ممثلاً لفكرة المساواة أمام القانون.
لكن كلماته جاءت لتؤكد العكس تماماً: المساواة أمام “القدرة على الدفع”.
واليوم، بعد ثلاث سنوات، تعود تلك الجملة إلى الواجهة بقوةٍ غير متوقعة.
في زمنٍ يعرف فيه المغرب احتجاجاتٍ اجتماعية متزايدة، يقودها جيلٌ جديد يطالب بالكرامة والعدالة الاجتماعية، تستعيد الذاكرة الجماعية تلك العبارة كأنها نبوءة قديمة تفسّر الحاضر.
الوزير الذي تحدث عن ابنه في مونتريال لم يكن يعلم أنه، دون أن يدري، وصف واقع آلاف الشباب الذين ظلّت الجامعة المغربية عاجزة عن فتح أبواب العالم أمامهم.
منذ 2022 إلى 2025، تغيّرت وجوه الحكومة، لكن الجملة ظلّت كما هي:
“باه لباس عليه” — فلسفةٌ مغربية خالدة تختصر نظاماً كاملاً من الامتيازات،
وعدالةً تتوزّع حسب الدخل، لا حسب الحق.
قد تكون الجملة قديمة، لكنها لا تشيخ.
تعود اليوم لتُذكّر الجميع بأن الصراحة أحياناً أبلغ من التقارير، وأن العدالة في المغرب ليست فقط مؤسسة رسمية، بل فكرة تبحث عن وطنٍ يحتويها.
ولذلك، ستظل عبارة عبد اللطيف وهبي، شاء أم أبى، من تلك الجمل التي يخلّدها التاريخ، لأنها قالت في لحظة صدقٍ ما عجزت الخطابات الرسمية عن قوله في سنواتٍ من الصمت المنمّق.
في النهاية، لا شيء أكثر بلاغة من جملةٍ قصيرةٍ صدرت عن وزير العدل نفسه لتشرح مأساة العدالة الاجتماعية:
“ولدي قرى فمونتريال… باه لباس عليه.”
 
								

