حين يتحوّل البلاغ الرسمي إلى شهادة وفاةٍ ، تفقد اللغة معناها وتكتسب البيروقراطية وجهًا أكثر برودًا.
حادثة وفاة سيدةٍ حامل في المستشفى الجهوي الحسن الثاني بأكادير لم تكن مجرّد مأساةٍ طبية، بل مرآةً لخللٍ أعمق في منظومةٍ ما زالت تخلط بين الإدارة والعلاج، وبين البلاغ والضمير.
أعلنت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية أن الحالة كانت حرجة منذ البداية، وأن الوفاة «راجعة إلى تدهور الوضع الصحي رغم كل التدخلات»، نافيةً ما تردّد حول نقص الأطر الطبية.
لغةٌ محسوبة بعناية، تُخفي أكثر مما تُفصح، وتحوّل المأساة إلى حدثٍ إداريٍّ مؤطّر بالقوانين واللجان.
كشفت مصادر إعلامية أن السيدة نُقلت من مستشفى بيوكرى إلى أكادير بعد عمليتين جراحيتين متتاليتين بسبب نزيفٍ حادٍّ، قبل أن تُفارق الحياة تاركةً مولودًا يتشبّث بالحياة في مصلحة الإنعاش.
أما التحقيق المعلن عنه، فليس سوى الطقس الرسمي الذي يرافق كل فاجعةٍ صحيةٍ في البلاد؛ يبدأ بالاستنكار وينتهي بالصمت.
المفارقة أن البلاغات الحكومية صارت أسرع من سيارات الإسعاف، وأن الخطاب الرسمي يتقدّم على الفعل كما لو كان علاجًا لغويًا للأوجاع.
في المغرب، يبدو أن الدولة وجدت في «القدر الطبي» مفهوماً جاهزًا لتفسير كل عجز، تمامًا كما وجدت في اللجان غطاءً مؤسسيًا لتأجيل الاعتراف بالمسؤولية.
ليست المشكلة في القدر، بل في اعتياد تبريره.
حين تُصبح الحياة مجرّد احتمالٍ معلّقٍ على سطرٍ في بلاغٍ رسمي، ندرك أن الأزمة لم تعد في المنظومة الصحية وحدها، بل في معنى المسؤولية ذاته.
هكذا تتحوّل المأساة إلى نظام، والبلاغ إلى سياسة، والموت إلى لغةٍ رسميةٍ باردة تُكتب بصيغة الماضي.
وفي بلدٍ يُتقن صناعة الأعذار أكثر من صناعة الحلول، تبقى الحياة كما قالت الحادثة الأخيرة مؤجلةً إلى إشعارٍ آخر.
