The Philosophy of Divestment in the 2026 Finance Bill… From Investment to Redistribution of Privilege
وسط الجدل الدائم حول توزيع الثروة وتفاوت الفرص، يبرز ملفّ تدبير أراضي الدولة كأحد أكثر المواضيع حساسيةً في المشهد الاقتصادي المغربي، حيث تتقاطع الاستثمارات الكبرى مع أسئلة العدالة المجالية والشفافية في إدارة الملك العام.
إنه الوجه الصامت للتنمية، والمرآة التي تعكس منطق الدولة في رسم الجغرافيا الاقتصادية للمغرب الحديث.
خلال سنة 2024، نالت 242 مبادرة استثمارية موافقة الحكومة لإقامتها فوق أراضٍ تابعة للملك الخاص للدولة، على مساحةٍ تقارب 49 ألف هكتار، باستثماراتٍ تناهز 56.4 مليار درهم، وبطموحٍ لتوفير 37,686 فرصة عمل.
أرقام واعدة في ظاهرها، لكنها تفتح الباب على سؤالٍ جوهري: هل تعبئة أراضي الدولة أداةٌ لتحقيق التنمية أم آليةٌ لإعادة إنتاج الامتياز؟
تشير الوثائق الرسمية إلى أن 63% من العقارات تم تفويتها مقابل 37% عبر الكراء، في منحى يعكس أولوية التملّك على الشراكة.
أما من حيث القطاعات، فقد استحوذ قطاع الخدمات على 28.1% من المشاريع، تليه الصناعة (13.64%) والسياحة (13.6%) والصناعة الفلاحية (12%)، بينما لم تتجاوز حصة التربية والتكوين 6.2% والسكن 5.37%، وتقاسمت الصحة والرياضة نسبة 3.72% لكلٍّ منهما.
لكن خلف دقّة الأرقام، يطفو سؤال الشفافية.
فحتى اليوم، لم تُنشر لائحة الأسماء أو الكيانات المستفيدة من التفويتات، رغم أن القوانين المغربية تنص على مبدأ الحق في المعلومة وتُلزم الإدارات بنشر البيانات ذات الطابع العمومي.
إن غياب هذه المعطيات يجعل الأرقام بلا مرجعية حقيقية، ويُفرغ خطاب “الاستثمار المنتج” من مضمونه الأخلاقي.
إذ لا يمكن الحديث عن عدالة عقارية من دون معرفة من يملك الأرض، ومن يُمنح حق استغلالها، ومن يُقصى منها.
جهويًا، تكشف الخريطة أكثر مما تخفيه الجداول: جهة العيون الساقية الحمراء تستحوذ على 30% من المشاريع، تليها الداخلة وادي الذهب (25%)، ثم الجهة الشرقية (8.2%) والدار البيضاء-سطات (7.4%)، بينما لم تتجاوز حصة باقي الجهات 5%.
توزيع يعبّر عن إرادةٍ واضحة لتكريس التنمية في الجنوب، لكنه في المقابل يطرح تساؤلات حول الإنصاف المجالي في الشمال والوسط، حيث التنمية تمشي على عكازٍ من الزمن.
أما في القطاع الفلاحي، فتم توقيع 64 اتفاقية شراكة على مساحة 1108 هكتارات، باستثمارٍ يفوق 641 مليون درهم وخلق 2411 فرصة عمل.
وقد اختارت الدولة صيغة الكراء طويل الأمد (من 17 إلى 40 سنة)، لتأمين التوازن بين تثمين الأراضي واستدامة المشاريع.
ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحًا: من المستفيد الحقيقي؟
هل هو الفلاح الصغير الباحث عن حياةٍ كريمة في أرضه، أم المستثمر الكبير الذي يعرف جيدًا مفاتيح الإدارة؟
إنّ فلسفة “الملك الخاص للدولة” تدخل اليوم مرحلة تحوّل من الحيازة إلى الاستثمار، ومن التدبير الإداري إلى التخطيط الاستراتيجي.
لكن هذا التحوّل لن يكتمل ما لم تُرسَّخ حوكمة شفافة تُقاس فيها التنمية بالأثر الاجتماعي والمجالي، لا بعدد العقود والهكتارات.
ففي النهاية، لا تُقاس نجاعة الدولة بما تملكه من أراضٍ، بل بما تمنحه من فرصٍ عادلة لتوزيعها.
وحين تتحوّل الأرض إلى امتيازٍ مغلّف بلغة الاستثمار، تصبح العدالة مجرد شعارٍ جميلٍ يعلّق على جدران الخطط الحكومية.
المغرب، وهو على أعتاب عقدٍ جديد من المشاريع الاستراتيجية، يحتاج إلى فلسفةٍ جديدة لإدارة ثروته العقارية فلسفةٍ توازن بين الحق في التنمية والحق في المعلومة، وتضع الإنسان في مركز القرار لا في هامشه.
فالأرض، لا تُمنح ولا تُورّث… بل تُستثمر بعدل.
