أجرى الحوار: نعيم بوسلهام
في خضم الجدل الواسع الذي أثاره تسريب فيديو لمداولات لجنة التأديب بالمجلس الوطني للصحافة من طرف الصحفي حميد المهداوي، وما تبعه من ردود فعل متباينة داخل الوسط الإعلامي والحقوقي، حاورنا الفاعل الحقوقي عبدالفتاح الحيداوي لاستجلاء خلفيات هذا الملف وأبعاده، ولفهم ما يكشفه من اختلالات بنيوية داخل الحقل الإعلامي المغربي.
س: بداية، كيف تقرؤون واقعة تسريب فيديو لمداولات لجنة التأديب بالمجلس الوطني للصحافة؟
الحيداوي: ما وقع ليس حادثا معزولا ولا مجرد تسريب تقني، بل هو مؤشر خطير على وجود شبكات ولوبيات منظمة تتحكم في مفاصل قطاع الإعلام والصحافة. الأمر يوضح أن بعض الأطراف تريد إعادة تشكيل المشهد الإعلامي بما يخدم مصالح سلطوية ومالية محددة، عبر خلق صحافة “مقبولة” وأخرى “غير مقبولة”.
س: هل نفهم من كلامكم أن المشكل يتجاوز المجلس الوطني للصحافة؟
الحيداوي: بالتأكيد. لا يتعلق الأمر بتنظيم مهني ذاتي كما يروج البعض، بل بمحاولات واضحة لفرض تصور معين للصحافة، ولتوجيه خطها التحريري عبر آليات الدعم والضغط. هناك توجه لدعم وسائل إعلام تخدم السلطوية وتحرم الصحافة المستقلة من الأدوات التي تضمن لها الاشتغال بأمان وكرامة.
س: في ظل هذه المعطيات، أين تقع مسؤولية الدولة؟
الحيداوي: المسؤولية موزعة على جميع المؤسسات بدون استثناء. القضاء والنيابة العامة اليوم أمام امتحان حقيقي، ويجب أن يبادروا إلى فتح تحقيق شامل يصل إلى أبعد مدى.
نحن أمام فضيحة أخلاقية ومؤسساتية، لكنها في الوقت ذاته فرصة للدولة من أجل تنظيف البؤر التي تستغل السلطة والمناصب لخدمة مصالح شخصية أو فئوية أو مالية، سواء عبر التعيين أو الانتخابات أو التحكم في الدعم العمومي.
س: هناك من يخشى أن يتعرض الصحفي حميد المهداوي لاستهداف بعد هذا التسريب. ما تعليقكم؟
الحيداوي: هذا التخوف مشروع للغاية، ولذلك من واجب الدولة أن توفر حماية قانونية وأمنية للمهداوي باعتباره مُبلّغاً عن خروقات تمس نزاهة مؤسسة من المفترض أن تكون مستقلة.
المغرب ملتزم دستوريا ودوليا بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان والمبلغين عن الفساد، وهذه الحالة اختبار مباشر لمدى احترام هذه الالتزامات.
س: ما الرسالة التي توجهونها في ختام هذا الحوار؟
الحيداوي: المطلوب اليوم هو الوضوح والشفافية. إصلاح الصحافة لا يمكن أن يتم عبر التحكم أو التوجيه السياسي، بل عبر ضمان حرية التعبير وحماية الصحفيين وتحصين المؤسسات من تأثير المصالح الضيقة.
وما وقع اليوم يجب ألا يمرّ دون محاسبة، لأنه يتعلق بمصداقية قطاع كامل يضطلع بدور أساسي في بناء الدولة الديمقراطية.
