The Cook Who Devoured the Wealth of Salé’s People
استناداً إلى تحقيق الصحافي عبد الوفي العلام – قناة ريحانة بريس (19 يونيو 2024)
يبدأ التحقيق باستحضار مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد.” ويضع هذا الاستشهاد في سياق المقارنة بين من يُعاقَب على سرقات بسيطة، وبين قضايا كبرى تتعلق، حسب الشكايات والوثائق، بتدبير المال العام في مدينة سلا خلال فترات سابقة.
ويكشف التحقيق عن حلقة جديدة من سلسلة “زواج المال بالسلطة”، مخصّصة لمسار البرلماني إدريس السنتيسي، الرئيس الأسبق لجماعة سلا والمنتمي لحزب الحركة الشعبية. ويعتبر التحقيق أن الوثائق التي استند إليها المستشار الجماعي السابق عبد اللطيف بن عزوز تُظهر مساراً طويلاً من تداخل المصالح، أدى ـ حسب رواية الشكاية ـ إلى تحميل ميزانية المدينة أعباء كبيرة.
ويقول الصحافي إنه يتوفر على عدد من الوثائق، بينها مراسلات رسمية بين وزارة الداخلية وعمالة سلا، إضافة إلى عقود وأحكام قضائية، وهي وثائق تُبرز كيفية انتقال السنتيسي من وظائف بسيطة في فندق إلى مجال الاستثمار ثم تقلّده مناصب منتخبة. ويشدد الصحافي على أن ما يقدمه مبني على وثائق رسمية، وليس ادعاءات شخصية، مؤكداً أنه لم يتواصل مع المعني بالأمر ولا يطلب منه شيئاً، وأن له كامل الحق في اللجوء للقضاء.
ويستعرض التحقيق ما ورد في شكاية المستشار بن عزوز، التي تتحدث عن ممارسات تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، حيث تشير إلى أن مجموعة من المنتخبين، من بينهم إدريس السنتيسي كرئيس للجماعة في تلك الفترة، وشقيقه عمر السنتيسي كرئيس لمقاطعة العيايدة، إضافة إلى منتخبين آخرين، دخلوا في أعمال وصفتها الشكاية بالنصب والتزوير والتدليس والإخلال بالميثاق الجماعي، وهو ما ترتب عنه ـ حسب الوثيقة ـ الإضرار بالمال العام لجماعة سلا ومؤسسة العمران، كما جاء في الشكاية أن هذه الأفعال “خدعت المصالح المركزية لوزارة الداخلية”، دون أن يعفي ذلك هذه المصالح أو شركة تهيئة أبي رقراق من مسؤولية الرقابة.
ويشير التحقيق إلى أن إحدى أكبر القضايا التي كشفت عنها الوثائق تتعلق بمشروع المركب السياحي لسنة 1973، والذي حُدد مبلغ الخسارة فيه بما يقارب 87 مليوناً و958 ألفاً و500 درهم.
وتوضح الوثائق أن السنتيسي كان يتولى المفاوضات بصفته رئيساً للجماعة في الوقت نفسه الذي كان يمثل الشركة الخاصة المستفيدة من المشروع، وهو ما اعتبرته الشكاية تنافياً صريحاً للمصالح.
ويورد التحقيق أن هذا المبلغ، حسب تقدير تلك الحقبة، كان كافياً لتوفير أكثر من 3600 منصب شغل لشباب المدينة لمدة سنة كاملة، وهو ما جعل ضياعه مؤثراً على الوضع الاجتماعي والاقتصادي لسلا.
كما تتحدث الوثائق عن صفقات أخرى بلغت قيمتها أكثر من 85 مليون درهم، استفاد منها ـ حسب الشكاية ـ إدريس السنتيسي وشقيقه عمر، دون المرور بالمساطر القانونية المعتادة كالسمسرة العمومية أو العرض على المجلس الجماعي، وهو ما فُسر حينها بوجود شبكة من العلاقات العائلية والحزبية التي كانت تؤثر في تدبير ملفات الاستثمار داخل المدينة.
ويعرض التحقيق تفاصيل تعود لسنة 1996، حيث تم ـ وفق الوثائق ـ تفويت عدد من الأصول العقارية بين شركتين يملكهما السنتيسي معاً:
“قرية الفنون المغربية” و“الزهرة للخدمات”.
وتشمل هذه الأصول قطعاً أرضية تتجاوز مساحاتها 11 ألف متر مربع و3800 متر مربع، إلى جانب مبانٍ ومنشآت ووكالات، بالإضافة إلى عائدات كراء قطعة ثالثة تتجاوز 5300 متر مربع.
ويشير التحقيق إلى أن هذه المعاملات تمت بين شركتين لمالك واحد، ما يطرح ـ حسب الشكاية ـ أسئلة حول طبيعة الرقابة والتتبع آنذاك.
ويروي التحقيق الخلفية المهنية للسنتيسي، مشيراً إلى أنه بدأ حياته العملية طباخاً وحارساً في فندق، وهو أمر لا يُنتقد في حد ذاته، لكن الإشكال ـ وفق الصحافي ـ يتعلق بكيفية نمو الثروة في ظل تداخل الصلاحيات العمومية مع المصالح الخاصة، خصوصاً مع الوضع الاجتماعي الصعب الذي كانت تعرفه المدينة.
ويعتبر التحقيق أن سلا، رغم قربها من العاصمة، ظلت تعيش الفقر والهشاشة والجريمة، وأن صرف تلك الأموال في التنمية كان سيُحدث فرقاً كبيراً في مسارها.
ويتابع التحقيق بالإشارة إلى أن السنتيسي كان يظهر لاحقاً في البرلمان مدافعاً عن مصالح المدينة، بينما الوثائق ـ كما يقول الصحافي ـ تشير إلى أسئلة كثيرة حول طبيعة تدبيره لملفات المال العام خلال فترات ترؤسه للجماعة.
ويصف الصحافي هذا التناقض بأنه جزء من “مسرحية سياسية” يؤدي فيها كل طرف دوره كما جاء في التحقيق.
وفي ختام الحلقة، يطرح التحقيق سؤالاً موجهاً إلى النيابة العامة والمجلس الأعلى للحسابات ووزارة الداخلية والجهات المختصة:
“إلى متى سيظل هذا الملف دون معالجة؟ ومتى سيتم فتح تحقيق شامل في الوقائع المرتبطة بتدبير موارد جماعة سلا؟”
ويستشهد الصحافي بكلمات عمر بن الخطاب مرة أخرى، ثم بأقوال جون كينيدي وابن خلدون وأرسطو وأفلاطون حول خطورة الفساد وتأثيره على المجتمعات، قبل أن يؤكد أن ما ورد في التحقيق مبني على وثائق رسمية وشكايات معلّلة، وأن مدينة سلا تستحق أن تُفتح ملفاتها حفاظاً على المال العام.
ويُختتم التحقيق بالقول:
“إلى هنا تنتهي هذه الحلقة… ونلتقي في الحلقة المقبلة ضمن سلسلة زواج المال بالسلطة.”
