Al-Jaami: What Appeared in the Leak Falls Under Criminal Law Before Professional Ethics
منذ اللحظة الأولى التي انتشر فيها تسجيل مداولات لجنة التأديب، بدا واضحاً أن ما جرى داخل تلك الغرفة لم يكن مجرد “نقاش مهني”، ولا حتى “حالة انفعال”.
ما ظهر لم يكن شطحة عابرة، بل بنية ذهنية كاملة تُدار بها سلطة التأديب: لغة شوارعية، تهديدات مباشرة، عبارات نابية، تلميحات بتدخلات خارج المساطر، واستهزاء بمكانة المحامين والصحافيين، كأن اللجنة كانت تتحرك خارج الزمن وخارج المسؤولية.
هذه اللحظة دفعت الجامعي إلى التدخل، بصوت قانوني حاد لا يقبل التجميل.
قال الجامعي في مقال رأي إن التسجيل “لا يدخل إطلاقاً ضمن الأخطاء المهنية أو الارتباكات الطبيعية”، بل “يحمل طبيعة جنائية واضحة، قبل أن يُقاس بميزان الأخلاق”.
وبذلك، نقل النقاش من مستوى “التنظيم الذاتي” إلى مستوى القانون الجنائي، وهو تصعيد لم يحدث من قبل في ملف مشابه.
الأمر لم يعد يتعلق فقط بطريقة الكلام، بل بمعاني ما قيل. فالتسجيل يوثّق كلمات نابية، سبّاً مباشراً، قذفاً صريحاً، تهديدات موجّهة، وتشهيراً بمحامين يمثّلون دفاعاً قانونياً في ملف حساس. ثم تأتي الجملة الأكثر خطورة:
«غادي نكتب واحد petit mot» لمسؤول قضائي.
هذه العبارة وحدها، كما قال الجامعي، “كافية لتقويض الأساس الرمزي لاستقلال القضاء”، لأنها تفتح الباب أمام الشك—even إذا لم تكن هناك أي علاقة فعلية—في أن بعض العقليات ما تزال تعتبر القضاء ساحة رسائل وليس مؤسسة مستقلة.
ومن زاوية دقيقة، صنّف الجامعي ما ظهر في الشريط ضمن “الأفعال التي يمكن تكييفها جنائياً”:
– سبّ وقذف
– إهانة محامين وهيئات منظمة
– خرق سرية المداولات
– التلميح بالتأثير على القضاء
– استغلال النفوذ
– والتحريض اللفظي داخل هيئة يفترض أنها تجسيد للانضباط
وهذه كلها قائمة منصوص عليها بوضوح في القانون الجنائي المغربي.
إلى جانب ذلك، يشير الجامعي إلى المفارقة الأكبر: اللجنة المؤقتة نفسها فقدت شرعيتها القانونية منذ سنتين، بعد انتهاء ولاية المجلس الوطني للصحافة دون تجديد أو انتخابات.
ومع ذلك، استمرت اللجنة في اتخاذ قرارات تأديبية، وإصدار بطائق مهنية، والبث في ملفات حساسة… ثم ظهر الآن أنها كانت تجري مداولات بهذه اللغة وبهذا المستوى.
وقال الجامعي إن هذا الوضع “لا يجعل فقط القرارات معلّقة، بل يجعل المشروعية الأخلاقية في حالة سقوط حر”.
ولذلك، حين حاول البعض حصر النقاش في سؤال “من سرّب؟”، جاء الرد من الجامعي بوضوح لا يحتمل الالتواء:
“المشكل ليس في المسرّب… بل في المضمون. في الأفعال. في ما جرى أمام الكاميرا.”
من هنا، دعا الجامعي إلى تحقيق قضائي شامل، شفاف، مستقل، وعدم الاكتفاء بأي تحقيق داخلي أو إداري، لأن “ما ظهر لا يمكن احتواؤه داخل أسوار المهنة”.
كما دعا إلى إمكانية تشكيل لجنة تقصي حقائق برلمانية، أو لجنة مستقلة بمشاركة منظمات مهنية وحقوقية وطنية ودولية، لأن ما جرى “لم يعد موضوعاً مهنياً، بل قضية رأي عام”.
والمؤكد في قراءة الجامعي أن المشكلة ليست الدولة ولا القضاء ولا المؤسسات.
المشكلة—كما يقول—هي العقلية التي كانت تتحدث داخل اللجنة.
عقلية تتعامل مع الصحافي كخصم، ومع المحامي كإزعاج، ومع المداولات كمنصة للانتصار الشخصي… لا للمسؤولية الأخلاقية.
في الخلاصة، يضع الجامعي النقطة في مكانها الصحيح:
التسجيل لم يكشف فقط كلمات قالها أشخاص، بل كشف منطقاً كاملاً كانت تُدار به سلطة حساسة.
منطق لا علاقة له بأخلاقيات الصحافة، ولا بالانضباط المهني، ولا بالمساطر، ولا بروح القانون.
ولهذا، يقول الجامعي إن ما ظهر “يدخل في نطاق القانون الجنائي قبل أي حديث عن أخلاقيات المهنة”، لأن الأخلاق يمكن إصلاحها…
أما القانون، فعندما يُخرَق، لا يملك رفاهية التسامح.
