في مشهد يزداد تعقيدًا، يتقاطع النقاش العمومي في المغرب حول موقع الرياضة ضمن هندسة الأولويات الوطنية، لا سيما في ظل بروز أدوار متعددة لبعض المسؤولين الحكوميين الذين يتحركون بين مجالات الميزانية والتخطيط الاستراتيجي والتظاهرات الرياضية الدولية.
ولعل أبرز من يُجسّد هذا الحضور المركّب هو فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، ورئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، ورئيس مؤسسة “المغرب 2030″، التي تقود ملف تنظيم كأس العالم. ثلاث مسؤوليات جوهرية، تتقاطع في المال، والقرار، والصورة الخارجية.
هذا التداخل بين الحقول، وإن كان يجد مبرراته في الدينامية والكفاءة، يفتح الباب لتساؤلات أعمق حول من يُحدد الأولويات؟ وكيف تُهندس المصالح؟ وهل ما زال المواطن جزءًا من هذه المعادلة، أم مجرد متفرج على شاشات الإنجاز؟
تداخل المهام وتوازن السلطات
حين يجتمع في شخص واحد دور الآمر بالصرف، والمخطط للميزانية، والمُستفيد من مشاريع بملايير الدراهم، فإن منطق الحكامة يضعنا أمام سؤال مقلق: كيف نضمن استقلال القرار العمومي في غياب الفصل بين الوظائف؟
هذا التموقع ليس استثناءً، بل قد يكون مقدمة لنموذج حكم جديد يُفضل الكفاءة على الرقابة، والسرعة على الشفافية، وهو ما يستدعي وقفة مؤسساتية لضمان التوازن، لا التشكيك في الأشخاص.
أولويات التنمية… بين الأرقام والواقع
رغم التقدم في البنيات الرياضية والاستعدادات الكبرى للمواعيد العالمية، يظل الواقع الاجتماعي يُحاورنا بلغة أخرى: مدارس تغلق في القرى، مستشفيات تفتقر للحد الأدنى، أسر تُرهقها تكاليف المعيشة، وشباب ينتظر فرصة لا تأتي.
السؤال إذن ليس هل نريد كأس العالم، بل: بأي كلفة؟ وعلى حساب من؟ وهل نُوزع موارد الدولة بما يُعزز التماسك، أم بما يُجمّل الصورة في المحافل الدولية؟
الإعلام الرياضي… سؤال الموضوعية والمحاسبة
في ظل هذا السياق، يُلاحظ غياب واضح لتحقيقات إعلامية جادة في كيفية تدبير الميزانيات الرياضية، مقابل حضور خطاب احتفائي يُغيب لغة الأرقام الدقيقة والمحاسبة الصارمة.
وإذا كانت الرياضة تُوحد الشعوب، فإن الشفافية تُحصّن الثقة، وهي الحلقة التي لا يجب أن تغيب في أي مشروع وطني مهما بلغت شعبيته أو رمزيته.
بين النموذج والمساءلة
ما يُطرح اليوم، في العمق، ليس قضية شخص، بل قضية نموذج. نموذج يُراهن على التقنوقراط لتدبير الدولة، لكن دون آليات واضحة لضمان الرقابة والمحاسبة، مما يُهدد التوازن بين السلطة التنفيذية والتشريعية، وبين الدولة والمجتمع.
ولعل حالة فوزي لقجع، بكل ما تحمله من رمزية وفعالية، تُجسّد هذا المنعطف: هل نحن أمام مسؤول تنفيذي؟ أم سياسي؟ أم ممثل لقطاع استراتيجي؟ ومن يُحاسب من حين تتقاطع الأدوار إلى هذه الدرجة؟
خاتمة: لا مفاضلة بين الكرة والمواطن… بل ترتيب للضروري والعاجل
لا أحد يُنكر أن الرياضة قوة ناعمة، وأن طموح المغرب نحو العالمية مشروع ومشرّف، لكن لا يجب أن يتحول هذا الطموح إلى ستار يخفي أسئلة الداخل، ولا أن يصبح المشروع الرياضي بديلاً عن المشروع التنموي.
في نهاية المطاف، نحن بحاجة إلى دولة تحتضن الإنجاز وتحتكم للرقابة، تُكرم الطموح وتُقدّس الأولويات. أما أن يتحول المسؤول إلى الآمر بالصرف والمستفيد والمُهلّل في آنٍ واحد، فذاك ما يضع المؤسسات على المحك، ويجعل من الوطن… خريطة مصالح لا خريطة أولويات.