مشهد شبه موسمي يتكرّر عند كل تحيين لأسعار المحروقات: مصادر مهنية تتحدث عن “استقرار مرتقب”، بعد موجتين متتاليتين من الزيادة خلال يوليوز.
عنوان مطمئن ظاهريًا، لكنه يُخفي حقيقة أن هذا “الاستقرار” لا يتجاوز توقّفًا مؤقتًا عند القمّة، حيث اعتاد المواطن على استقبال زيادات دراهم كاملة، وتلقي “هدايا” الانخفاض بالسنتيمات فقط.
مسؤولو محطات الوقود وأربابها توقعوا استقرارًا ظرفيًا في أسعار الغازوال والبنزين، معترفين في الآن نفسه بوجود مؤشرات على ارتفاع جديد، دون أي تأكيد رسمي.
واقع يفضح هشاشة آليات التسقيف، ويكشف عن تواطؤ صامت بين من يسوّق “التطمينات”، ومن يُراكم الأرباح دون حسيب أو رقيب.
المعطيات الدولية تؤكد تراجعًا واضحًا في أسعار النفط الخام. خام برنت انخفض إلى 72.63 دولارًا للبرميل، وغرب تكساس إلى 69.32 دولارًا، متأثرَين بتراكم المخزونات الأمريكية وتوترات سياسية جديدة في ملف الرسوم الجمركية.
الأسواق تتحرك، لكن محطات الوقود عندنا لا تتحرّك إلا حين يتعلق الأمر بالرفع، أما الانخفاض فـ”ينتظر التحيين”، و”يراجع المؤشرات”، و”يخضع للدراسة”.
السؤال الذي بات يفرض نفسه: من يتحكم فعليًا في أسعار المحروقات؟ هل هي الحكومة فعلاً؟ أم أن القرار الاقتصادي خاضع منذ سنوات لنفوذ لوبيات التوزيع، التي اختطفت القطاع منذ رفع الدعم، وباتت تضبط الأسعار بما يخدم مصالحها، تحت غطاء “المنافسة”، وبدون سقف قانوني يحدد هوامش الربح؟
تقرير مجلس المنافسة أتى ليضع النقاط على الحروف. أرباح ضخمة بلغت 2.3 مليار درهم في سنة واحدة، وهوامش صافية وصلت إلى 61 سنتيمًا في كل لتر من البنزين، و43 سنتيمًا في لتر الغازوال. ومع ذلك، لا تزال الحكومة تختار الصمت، أو في أحسن الأحوال، تُصدر بلاغات تراقب بها “الوضع”.
تسع شركات فقط تهيمن على سوق التوزيع. ومع غياب أدوات الرقابة والضبط، صار المواطن هو الخاسر الوحيد في معادلة لا يربح فيها سوى من يبيع، ويستثمر، ويُبرمج الأسعار في توقيت يضمن له أقصى ما يمكن من الفائض.
والحكومة؟ مشغولة بإصدار بلاغات التفاؤل، وتبرير الارتفاعات، وتسويق خطاب “السوق الحر”، في حين أن واقع المحروقات عندنا لا حرية فيه ولا شفافية، بل شبكة مصالح تُدار بصمت، وتُفصّل على مقاس الربح المضمون.
خاتمة :
ما دام انخفاض السعر يُسوَّق كإنجاز، والزيادة تمرّ بلا تفسير، فالحديث عن حماية القدرة الشرائية سيبقى مجرّد شعار. وما دامت الحكومة تراقب من الشرفة، فالمواطن سيظل يدفع الثمن من جيبه… ومن صمته