في حكومة الكفاءات أو العجائب، لم تسلم حتى رحلة “الآخرة” من قبضة السوق ودفاتر التحملات. فها هي جماعة مراكش، بقيادة رئيستها فاطمة الزهراء المنصوري، تطلق طلب عروض دولي لتفويض مرفق نقل الأموات المسلمين. نعم، لم تقرأوا خطأ: حتى الأموات دخلوا خانة التدبير المفوض.
في زمن خوصصة الماء والكهرباء، والنقل والصحة والتعليم، لم يكن ينقصنا سوى “خوصصة الموتى” حتى تكتمل مسطرة التخلي عن الدولة الاجتماعية، لصالح الدولة المقاولاتية التي ترى في كل مرفق فرصة استثمار، وفي كل حاجة إنسانية هامش ربح.
الملف كما ورد في دفتر التحملات مفصل بدقة إدارية لا غبار عليها: سيارات بيضاء، عبارات دينية، محمل قابل للغسل، حاجز عازل، ومكيف هواء لضمان الراحة… لمن؟ للجثة طبعًا!
التفاصيل التقنية تفيض بالحرص، كأننا أمام مشروع تجاري فاخر لا خدمة جنائزية!
نحن أمام منطق “موت نظيف وبأسعار تنافسية”… وواجبات جزافية، وتسعيرة بالكيلومتر، ووصل خدمة، ولوحات أسعار!
لكن لحظة… هل الموتى سيطالبون بالوصل؟ أم عائلاتهم المكلومة التي ستقف، وهي تحت وقع الفقد، أمام مفاوضات الأسعار وشروط الجودة؟
الجماعة تطمئن المواطنين: ستكون هناك لجنة مراقبة، وضمانة بنكية، وعقد بسبع سنوات قابلة للتمديد…
جميل. لكن من يضمن ألا يتحول “المرفق العمومي للموت” إلى سوق مفتوح للربح الفاحش؟
من يضمن أن لا يصبح الفقراء عرضة للتهميش حتى في موتهم، وأن لا تصير “جنازاتهم” أقل احترامًا لأنهم لم يختاروا العرض المميز؟
وهنا يكمن لبّ السؤال:
هل نُحسِّن الخدمة، أم نُحوِّل المبدأ؟
هل نرقِّي مرفقًا عموميًا يلامس أقدس اللحظات الإنسانية، أم نُحيله إلى صفقة؟
هل الموت فعل مجتمعي في حضن الدولة، أم خدمة تُسند لمن يدفع أكثر ويوفر أسطولًا أنيقا؟
قد تبدو الأمور على الورق قانونية ومنظمة… لكن في عمقها، هي رسالة سياسية صامتة تقول:
حتى في موتكم… لن تعودوا مواطنين.