عزّ “الصمايم” يطلّ بحرّه القاسي، والأرض تئنّ تحت حرارة تلفح الوجوه وتُبخّر الماء من السدود قبل أن يلامس التراب. نسب الملء في انخفاض متسارع، والمؤشرات تتجه نحو عتبة الـ35 في المائة، وسط صمت حكومي يزداد ثقلاً مع كل موجة حرّ جديدة.
البيانات الرسمية، الصادرة عن المديرية العامة لهندسة المياه، تكشف أن مجموع مياه السدود لم يتجاوز 5.931 مليون متر مكعب، من أصل طاقة استيعابية تبلغ 16.762 مليون. الواقع المائي، إذن، لا يحتاج إلى زينة لغوية؛ بل إلى خطة إنقاذ.
كشفت مصادر إعلامية
أن أربعة أحواض مائية رئيسية بلغت مستويات خطرة: “أم الربيع” تهاوت إلى 10,72 في المائة، و”سوس ماسة” لم تتجاوز 18,78 في المائة، بينما ظل “ملوية” و”درعة – واد نون” يحومان حول 29 في المائة.
أرقام تفضح هشاشة التوازن المائي جنوب وشرق البلاد، وتدقّ ناقوس الخطر أمام أعين وزارة تتصرف كما لو أن الماء ما يزال “دائم الجريان”.
على النقيض، لا تزال أحواض الشمال تنعم بنسب أكثر راحة، بفضل مشاريع الربط التي تم إنجازها العام الماضي. لكن التفاوت الصارخ بين الأحواض يطرح سؤال العدالة المائية، وجدوى التدبير المركزي الذي يوزّع الماء كامتياز وليس كحقّ.
لا أثر لنزار بركة في خضمّ هذه الموجة الحارقة سوى صور أرشيفية وتصريحات باهتة. الرجل الذي يحمل حقيبة “الماء”، يبدو كمن يتابع الأزمة من نافذة مكيّفة، غير آبه بصهاريج القرى، ولا بالفلاحين الذين يغرسون الأمل في أرض عطشى.
هنا لا يتعلق الأمر ببلاغ أو مؤتمر صحفي. بل بمنظومة غارقة في التردد، لا تملك شجاعة إعلان “الطوارئ المائية”، ولا القدرة على الخروج من منطقة الراحة التدبيرية التي تُحيل كل مشكل إلى السماء.
القلق لا يكمن فقط في أرقام اليوم، بل في سياسة الغد.
كيف يمكن لبلدٍ يعتمد الفلاحة كمحرّك اقتصادي أن يسير نحو صيف عطِش دون تعبئة شاملة؟
كيف تُدار الثروة المائية في ظل غياب العدالة المجالية؟
وأين وزير الماء من مشهد يتقاطع فيه العطش مع الغضب الشعبي؟
من الصعب فصل هذا الصمت عن ملامح أزمة سياسية أعمق: أزمة وزراء يُفضلون الغياب على المواجهة، وخطط تُروَّج في الملفات ولا تُرى في الميدان.