لم يعد الجدل حول المهرجانات في المغرب مجرّد نقاش ثقافي، بل صار سؤالًا سياسيًا واقتصاديًا بامتياز، خاصة حين يصرّ وزير الثقافة والشباب والتواصل، المهدي بنسعيد، على تقديمها كقاطرة للتنمية ورافعة للاقتصاد المحلي.
لكن، في بلد تتأرجح فيه القدرة الشرائية للمواطن بين موجات الغلاء وتآكل الدخل، يصبح الحديث عن “الرواج الاقتصادي” للمهرجانات ترفًا بلاغيًا أكثر منه سياسة عمومية ذات أثر ملموس.
الوزير، في تدوينة رسمية، اعتبر الحضور الجماهيري لهذه التظاهرات دليلاً على مكانة الثقافة في قلوب المغاربة، متناسيًا أن هذا الحضور قد يكون أيضًا تعبيرًا عن فراغ بدائل ترفيهية مجانية أو معقولة الكلفة. فالثقافة، قبل أن تكون منصات وصوتيات، هي مكتبات عامرة، مسارح حية، دور شباب مجهزة، وبرامج تعليمية تُدرّس الفنون لا تُهمّشها.
وإذا كان صحيحًا أن المهرجانات تحرّك قطاعات النقل والسياحة والمطاعم، فإن السؤال الذي يتجنّب الوزير الإجابة عنه هو: من المستفيد الحقيقي من هذه الدورة الاقتصادية؟ هل هي الفئات الهشّة وأصحاب المهن الصغيرة، أم شركات الإشهار وتنظيم الحفلات التي تلتهم الحصة الأكبر من الكعكة؟
إن الإصرار على جعل المهرجان عنوان السياسة الثقافية، يحوّل الوزارة من فاعل استراتيجي في بناء وعي المجتمع إلى مجرّد ممول موسمي لعروض ترفيهية، بينما يبقى الاستثمار البنيوي في الثقافة — كمورد بشري وفكري — مؤجلاً إلى إشعار آخر.