حسب مصادر إعلامية، لا تزال الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي في قلب العاصفة، وسط تصاعد موجات الانتقاد والتحفظ حول طريقة تدبيرها للموارد العمومية، التي يُفترض أن تكون موجهة للفئات الأكثر هشاشة.
فبدل أن تشكل هذه المؤسسة رافعة للحماية الاجتماعية، تُنذر المؤشرات والمعطيات المتداولة بأنها تحولت إلى مستنقع جديد للمحاباة وتضارب المصالح، تحت عنوان جذّاب اسمه “الدعم المباشر”.
كشفت النائبة البرلمانية فاطمة التامني، في وقت سابق، عن حجم غير مسبوق من الصفقات داخل الوكالة، بلغت قيمتها أزيد من 40 مليون درهم خلال أربعة أشهر فقط، ما يعادل أربعة مليارات سنتيم.
وهو رقم يُفترض أن يُترجم إلى دعم مباشر لفائدة عشرات الآلاف من الأسر، في زمنٍ تتقلّص فيه القدرة الشرائية، وتتسع فيه خريطة الهشاشة.
لكنّ المفاجأة أن هذا المبلغ الضخم وُزّع بين دراسات، تجهيزات مكتبية، وخدمات استشارية، ما يطرح أسئلة جوهرية حول الجدوى، والشفافية، والأولويات.
كشفت مصادر حزبية جديدة، وعلى رأسها سعاد بولعيش، القيادية في حزب العدالة والتنمية بإقليم فحص أنجرة، عن معطيات صادمة تقوي فرضية أن الوكالة أضحت مجرد واجهة لتدبير غير خاضع للرقابة الفعلية.
ففي تدوينة نشرتها على حسابها بفيسبوك، أوضحت بولعيش أن تجهيزات مكتبية بسيطة تُقتنى بثلاثة أضعاف قيمتها الحقيقية، وأن دورات تكوينية وهمية واستشارات بمبالغ طائلة تُمنح لمكاتب محددة دون مؤشرات أداء تُذكر.
المثير في الأمر ليس فقط مستوى التبذير، بل الأساليب المعتمدة في تمرير الصفقات، والتي وُصفت بأنها مُغلقة وتفتقد لمبدأ تكافؤ الفرص، عبر إعلانها في قنوات محددة، أو استعمال عبارات فضفاضة تُقصي المنافسين، وتمنح الأفضلية الضمنية لمن لهم “معرفة مسبقة”.
وهو ما يضرب في الصميم روح الحكامة وميثاق المرفق العمومي.
وفي الوقت الذي تُهدر فيه ملايين الدراهم على تعويضات وامتيازات داخل الوكالة، ما يزال عددٌ من الأرامل واليتامى والمعاقين ينتظرون دعما جزئيا لا يغطي حتى الحد الأدنى من احتياجاتهم.
وكأن الدعم الاجتماعي أضحى امتيازًا إداريًا يُوزَّع على محيط داخلي، لا حقًا دستوريا للفئات المستهدفة.
لماذا لا تتحرك المفتشيات العامة؟
وأين دور النيابة العامة أمام هذه الاتهامات المتكررة؟
هل نحن أمام مؤسسة خارج دائرة المحاسبة؟
أم أن غطاء “الطابع الاجتماعي” أضحى كافيًا لتمرير كل أشكال التدبير المشبوه؟
هي أسئلة لا يمكن أن تبقى مُعلّقة، خصوصًا مع مطالبة فاعلين سياسيين بتحقيق قضائي شفاف، ونشر أسماء المستفيدين من الصفقات، مع كامل تفاصيل العقود.
لأنه لا يُعقل أن تُستعمل ميزانية الفقراء في دعم فاحشي الرفاه الإداري،
ولا يمكن أن يُقبل أن تبقى مؤسسة بهذا الحجم خارج رادار المحاسبة.
فالسكوت عن هذا النوع من التدبير هو ترخيص ضمني لاستدامته، بل وتشجيع له على التمدد داخل مؤسسات أخرى.