الحديث عن التنمية المتوازنة في المغرب أصبح أقرب إلى البلاغة السياسية منه إلى واقع السياسات العمومية. ففي الوقت الذي تتوالى فيه الخطط الوطنية والاستراتيجيات الكبرى من قلب الرباط، تبقى مناطق بأكملها خارج خارطة الاستهداف الفعلي، وكأنها توجد على هامش الخريطة الرسمية.
بلد واحد بوجهين: مدن تستقبل المشاريع وتُغدق عليها الميزانيات وتُطلى واجهاتها بالحداثة، بينما أخرى تُترك لغبار النسيان، تنتظر ميزانية إصلاح مستوصف أو بناء قنطرة أو تعبيد طريق.
الحياة اليومية في هذا الوطن ليست واحدة، بل موزعة بين مغربين: مغرب المركز حيث تتراكم فرص الشغل والمراكز الطبية والمدارس الخصوصية ومراكز القرار، ومغرب الهامش حيث تُختبر القدرة على الصبر وتُبتلع الكرامة يوميًا باسم التقشف أو محدودية الموارد أو أولوية الأولويات.
المفارقة أن من يصوغ هذه الأولويات ليس برلمانًا منتخبًا، بل عقل تكنوقراطي يُرتب الإنفاق العام حسب تصورات تقنية لا تنبع من الميدان بل من كواليس السلطة المالية، حيث يتحول الإنسان من مواطن إلى رقم في جدول الاستثمار، ومن مستفيد إلى هامش في تقرير دولي.
مغرب بسرعتين ليس فقط نتيجة ظرفية، بل أصبح نموذجًا مُقننًا تتغذى عليه سياسات الميزانية وصناديق التمويل وخرائط المشاريع الكبرى.
مدن تنمو لأن لها من يُفاوض باسمها، ومناطق تتآكل لأنها لا تملك مفاتيح الوصول إلى القرار.
عندما تتحول البرامج الاجتماعية إلى صدقات انتخابية، وتُختزل العدالة المجالية في تعبيد طريق موسمي، فإن الحديث عن التنمية يصبح جزءًا من التجميل السياسي لا من التغيير الحقيقي.
ما يحصل اليوم هو أن من يتحكم في دفة القرار يبرمج السياسات من قلب العاصمة، بعقلية المركز ووفق خريطة المصالح لا خريطة الحاجيات.
ولهذا، لن يكون غريبًا أن يستمر المغرب في السير بسرعتين ما دامت عجلة التنمية لا تمر من طريق الإنصاف، وما دام من يقودها لا يرى من النافذة سوى اتجاه واحد.