يتجدد الحديث عن “الافتراس العقاري” في مغرب ما بعد الشعارات، وهذه المرة في قلب مدينة إفران، حيث تفجّر الجدل إثر تداول عقد أو خبر مفترض عن تفويت عقار يُقدر بـ1300 متر مربع بثمن لا يتجاوز 500 درهم للمتر، في صفقة تجمع ـ حسب المتداول ـ بين وزيرة المالية وشخصية توصف بأنها من “كبار أركان الدولة”.
عبد العزيز أفتاتي، القيادي السابق في حزب العدالة والتنمية، خرج عن صمته ووصف ما جرى بأنه “افتراس بشع وممسوخ”، يُذكّر بتجزئة الزاهرية الشهيرة بالعاصمة الرباط، والتي كانت في وقتها عنوانًا لامتحان مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة… امتحان لم يُستكمل.
وإن صحّت المعطيات، فنحن، كما يقول أفتاتي، “في دولة لهم… ولأبنائهم… وفروعهم… وأصولهم”، لا في دولة يسري فيها مبدأ المساواة أمام الفرص والموارد العمومية.
القضية ليست مجرد خلاف حول سعر المتر، بل هي إحالة صريحة على خلل بنيوي في منطق توزيع الثروة وتدبير الملك العمومي، وتفتح الباب واسعًا أمام سؤال ظل معلقًا:
هل الدولة محتاجة إلى هذا النوع من “الشفط العقاري” في زمن الحديث عن العدالة الاجتماعية؟
كيف يمكن لمؤسسات تتحدث عن الإصلاح والحوكمة ومأسسة الشفافية، أن تسمح ـ أو تغض الطرف ـ عن تفويت عقارات بمبالغ رمزية، في وقت تتحدث فيه التقارير عن ارتفاع الأسعار، وتضخّم الفوارق الطبقية، وتآكل الطبقة المتوسطة؟
أفتاتي لا يتحدث من موقع معارضة فوضوية، بل من منطق مؤسساتي، حين يشير إلى أن مثل هذه الصفقات تُقبر جوهر المنافسة والمناقصة والشفافية والنزاهة، وتحول هذه المفاهيم إلى “هرطقة” شكلية تُرفع في الخطاب وتسقط في التوزيع.
لقد أصبحت الدولة، كما يقول، تسير بـ”سرعة افتراسية” تُسابق الزمن في توسيع امتيازات القلة، بدل أن تُجسد الحد الأدنى من العدالة في تدبير العقار العمومي، الذي هو في الأصل ملك للأمة، لا لدوائر النفوذ.
الأسئلة التي تُطرح اليوم لا تخص أفتاتي وحده، بل تخص كل من ما زال يؤمن بإمكانية بناء نموذج تنموي متوازن:
هل تمر هذه الصفقات تحت غطاء قانوني أم في ظل غياب رقابة سياسية حقيقية؟
من يُراقب كيف توزَّع الأراضي ومن يُحدّد أسعارها؟
أين دور مجلس المنافسة؟
ما مصير الخطاب الرسمي عن الدولة الاجتماعية في ظل مثل هذه الوقائع؟
في ظل صمت الجهات المعنية، وتجاهل التوضيح الرسمي، يبقى الصدى الشعبي أقوى من البلاغ الإداري، ويظل الشك مشروعًا في دولة تنشغل بتسويق شعارات العدالة، بينما تُمارس توزيع الامتيازات بسرعة الضوء.
مفارقة مغربية مؤلمة:
الدولة تُقنّن البيع للدراويش… وتُفصّل العقار للنافذين.