في المغرب، لا يمكن النظر إلى المشاريع الكبرى باعتبارها مجرد أوراش للتنمية أو خطوات نحو التحديث.
خلف الصور الرسمية وحفلات التدشين، يطلّ العرّاب بملامحه الخفية، ليحوّل كل مشروع إلى أداة لإعادة توزيع النفوذ.
فالملاعب، المطارات، الموانئ، الطرق، والفنادق ليست فقط بنايات إسمنتية، بل قطع في رقعة شطرنج تُلعب بذكاء في كواليس السياسة.
من المخطط الأخضر الذي جعل من الفلاحة مجالاً مغلقاً لفئة محدودة، إلى مشاريع الطاقة التي حُصرت امتيازاتها في شركات بعينها، إلى العقار الذي صار توقيع رجل ظل كفيلاً بتحويل أرض عادية إلى منجم من الذهب، تتكرر نفس المعادلة: استثمار لا يولد من السوق وحدها، بل من قرب صاحبه من السلطة.
ومع اقتراب مونديال 2030، تتجسد الصورة بأوضح ما يكون.
الدولة التزمت بتجهيز ملاعب جديدة، توسيع مطارات، تحديث موانئ، وإنجاز طرق سريعة.
أرقام بمليارات الدراهم ستُصرف باسم الوطن، لكن السؤال الحقيقي: هل هذه الشركات نالت عقودها وفق القوانين والمساطر المعمول بها، أم بفضل بصمة العرّاب الذي يعرف كيف يوزع الأوراق في بورصة الولاءات؟
ومن يراقب هذا السيل من الصفقات التي ستحدد خريطة الاقتصاد لعقد كامل؟
رجل الظل هنا لا يحتاج أن يظهر، يكفيه أن يكتب الأولويات.
من يملك القرار في المشاريع الكبرى، يملك مفاتيح الاقتصاد، ومن يملك مفاتيح الاقتصاد يملك سلطة سياسية مضاعفة.
بهذا المعنى، لم تعد المشاريع الكبرى مجرد استثمار في التنمية، بل استثمار في السلطة ذاتها.
الخطر أن هذه الدينامية تُفرغ المنافسة من معناها.
حين تصير التنمية رهينة بالقرابة من السلطة، وحين تتحول المشاريع العمومية إلى أداة لشراء الولاءات، تضيع الحدود بين العام والخاص.
المواطن يسمع خطابات التنمية والازدهار، لكنه يكتشف في حياته اليومية أن الثروة توزّع في صالونات مغلقة، لا على طاولة الوطن.
إن الحديث عن العرّاب والمشاريع الكبرى هو تشخيص لمعادلة دقيقة: السلطة تُنتج الثروة، والثروة تُعيد إنتاج السلطة.
وبين الوجهين، يبقى السؤال الذي لا يريد أحد أن يطرحه علناً: هل نحن أمام استثمار في السلطة، أم أمام سلطة تستثمر في نفسها؟