في الزمن الذي تُرصّع فيه المدن المغربية بمشاريع تهيئة كبرى وحدائق مترفة وواجهات عمرانية مصقولة، ما يزال كثير من المواطنين يطاردون الحق البديهي في الأرض، كأنهم يطالبون برفاهية مؤجلة في دولة تعدهم يومًا بالإقلاع ويومًا آخر بالاقتلاع.
عنق الجمل، الحي الذي اختفى من خرائط مدينة سلا، ليس مجرد بقعة منسية على الهامش، بل شاهد حي على مفارقة مؤلمة: حين تُبنى التنمية على أنقاض الحياة اليومية للناس. فمنذ أن داهمت الجرافات مساكن الحي قبل أشهر، تحوّلت الأرض التي احتضنت العائلات لعقود إلى ركام، وتحولت الوعود إلى أوراق عالقة بين المكاتب.
كشفت شهادات السكان المتضررين، ومعهم بعض المنتخبين الذين طالبوا مرارًا بإجابات، أن ما قُدم لهم لا يرقى إلى التعويض، بل إلى تسعيرة رمزية أقرب إلى الإهانة: 80 إلى 100 درهم للمتر المربع، في منطقة تُباع فيها الأراضي بأضعاف ذلك، وتُنفَّذ فيها مشاريع تُكلّف الملايين. فهل يُعقل أن يُمنح المواطن مقابلًا لا يشتري حتى مترًا من الأمل، بينما تتحرك الماكينات لتهيئة المساحات ذاتها بأرقام من فئة “مشاريع كبرى”؟
السلطات تتحدث عن “براريك” وبناء عشوائي، بينما يؤكد السكان أن مساكنهم كانت ثمرة كدّ سنوات طويلة، وأن ما حدث لم يكن تأهيلاً للمجال بل إلغاءً للحق. والمفارقة الأشد إيلامًا أن مشاريع التهيئة انطلقت فوق الأرض نفسها التي لم تُحسم بعد ملفاتها القانونية.
اليوم، وبعد مرور شهور على عملية الهدم، ما زال الغموض يلف مصير السكان. الوعود الرسمية تسير في اتجاه، وآليات الإنجاز تسير في اتجاه آخر. الأرض تُزرع بالأشجار، لكن جذور العائلات ما زالت معلّقة في هواء من الوعود المؤجلة.
في مغرب المشاريع الكبرى، يبدو أن الحق في الأرض لا يُدرج في الميزانيات، ولا يدخل ضمن جداول الأولويات، بل يُترك جانبًا… إلى أن يأتي موسم آخر للتهجير.
								